كيف يعود الإسلاميون ليكونوا إسلاميين؟

منذ 5 سنة | 1905 مشاهدات

إذا وافقتنا على أن الإنحراف الليبرالي يمثل جوهر المأزق الذي وقعت فيه فكرة الإحياء الإسلامي، كما بينا في المقالات السابقة من هذه السلسلة، فلابد أن تكون قد وصلت إلى نتيجة بأنه إلى أن ينجح الشعب المصري بكل قواه الشريفة في إستعادة الديمقراطية بإذن الله يجب أن يكون الإسلاميون قد أنجزوا مهمتين رئيستين:

          المهمة الأولى: هي أن يكونوا قد توصلوا لإعلان برنامج عملي للتغيير يعبر تعبيرا صادقا عن مبادئ الشريعة وأحكامها، كي تستعيد ركيزتنا الأولى قوتها ومكانتها (راجع المقال السابق)، وأن يكون البرنامج في نفس الوقت قادرا على بعث الأمل في قلوب المصريين بأنه سيحل مشاكلهم بتحقيق العدالة الإجتماعية الإسلامية (الكفاية لكل مواطن) والإستقلال السياسي والإقتصادي وبناء مجتمع التكافل والتراحم.

          المهمة الثانية: أن يكونوا قد نجحوا في التبرؤ من البرنامج الليبرالي الذي خدعونا، أو خدعنا أنفسنا، به، والذي أدى إلى وقوف الجماهير موقف المتفرج، والتخلي عن الدفاع عن حكم الرئيس الإسلامي.

          أستميح القارئ عذرا فيما سأعرضه في باقي المقال، فقد بدا لي بديهيا ومكررا ومعروفا لكل من له أية إلمام بالفكر الإسلامي المعاصر، لكن بإزاء البرنامج الذي قدمه الإخوان وإلتزموا به إبان فترة حكمهم يبدو أننا مضطرون لإعادة التذكير بأساسيات حركة الإحياء الإسلامي ومنهجها الفكري.

          من المدهش أن نبدأ اليوم في التفكير فيما إذا كنا قادرين على تقديم برنامج يعبر عن مبادئ الشريعة تعبيرا صادقا .. لم يخطر ببالي طوال عقود أربعة إنخرطت فيها في حركة الإحياء الإسلامي أن هذا السؤال قد يطرح في يوم من الأيام، فمنذ البداية كانت بين أيدي جيلنا ثروة ضخمة من أدبيات الرعيل الأول من الإسلاميين تتحدث بجلاء عن منهج الإحياء الإسلامي وما الذي يميزه عن سائر المناهج الوضعية، وكان واضحا فيها كل السمات الرئيسية لمجتمع مسلم معاصر، إقتصاده وإجتماعه وسياسته ونسقه القيمي .. إلخ، ولم يكن مطلوبا من جيلنا إلا أن يضع الخطوات العملية لتحقيق هذه الأهداف (راجع مقال "رؤية الجيل الثاني")، وقد ساهمت أعداد غفيرة من المثقفين الإسلاميين خلال نصف القرن المنصرم في بحث الوسائل والأدوات والقضايا الإجرائية المختلفة، ربما نحتاج الآن لجمع شتات هذه الجهود القيمة المبعثرة في كتابات متنوعة لمتخصصين في تخصصات عدة وغربلتها لنشكل منها برنامجا عمليا متكاملا، لكنها ليست بالمهمة العسيرة على الإطلاق، فقد كان العديد منهم يحاولون في مؤلفاتهم أن ينزلوا لدرجة من التفصيل تقترب مما يحتاجه برنامج للتنفيذ، ربما نكتشف وجود بعض الثغرات في المناطق الواقعة بين التخصصات المختلفة تركها كل منهم للآخر، كما في بعض المسائل التي يشترك فيها الإقتصاد مع علوم الإدارة، أو النظم السياسية مع علم الإجتماع على سبيل المثال، لكن رتق هذه الفراغات عندما نكتشفها لن يمثل مشكلة بإذن الله، فحركة الإحياء الإسلامي تمتلك بفضل الله عددا وافرا من العلماء البارزين في كل التخصصات.

ولن نحتاج إلى أي مجهود يدكر للبرهنة على قدرة الحل الإسلامي على حل مشاكلنا، فستجد كل البراهين ميسوطة فعلا، البراهين الشرعية والنظرية والعملية التي أقنعتنا، والتي يمكنها أن تقنع كل مسلم، أن هده الشريعة هي الأقدر، إن لمتكن هي الوحيدة القادرة، على إنجاز النهضة الإسلامية المعاصرة، ففي الأعقاب المباشرة لثورة يناير المجيدة بدا واضحا حماس الغالبية الساحقة من المصريين لتأييد من رفعوا شعار "تطبيق الشريعة" (راجع مقال "شعب مسلم

          إن السؤال الذي سيزعجك حقا عندما تراجع كل هذه المؤلفات التي أفنى عدد من أفضل العقول المسلمة أعمارهم في وضعها هو: كيف لم يلتفت واضعو برنامج الإخوان لكل هذا وتجاهلوه لصالح الأفكار الليبرالية الجاهزة المعلبة، مع أن جل هذه المؤلفات كتبها أعضاء في جماعة الإخوان أو حلفاء لهم ؟!! .. لا نريد الوقوف عند البحث عن إجابة لهذا السؤال، ولنترك هذه المهمة المؤلمة لجيل قادم، عندما يحاولون تفسير سر إنتكاسة الحركة الإسلامية بعد أن وصلت للحكم (وأرجو ألا يكونوا كأبناء جيلي الذي لم يتوقف كثيرا ليطلب تفسيرا لما حدث سنة 1954) .. السؤال الأهم والأكثر صعوبة، والضروري في نفس الوقت، هو كيف سيمكننا التبرؤ من البرنامج الإنتخابي للرئيس محمد مرسي في هذه الظروف التي نعيشها، والتي نتعاطف فيها جميعا ونقدر هذا البطل الكبير وإخوانه في السجون والمنافي؟ .. لنؤجل التفكير في هذا السؤال لمقال قادم يإذن الله.   

شارك المقال