منذ 6 سنة | 3655 مشاهدات
يتصور الكثيرون – ولسنا منهم – أن أزمة الحركة الإسلامية في مصر تتمحور حول التفكك والتشظي الذي حل بتنظيماتها، وغياب معظم كوادرها، إما في السجون أو في المنافي الإختيارية، وأفضلهم حالا هم الأحياء عند ربهم يرزقون .. هذه حقا مشكلة، لكنها ليست جوهر الأزمة، فلا يوجد مجتمع يمكنه أن يستمر تحت القهر الكامل للأبد، فبشكل أو بآخر، وفي زمن قد يطول أو يقصر، سيتم بإذن الله العودة إلى أوضاع طبيعية أو قريبة من الطبيعية، وهذا ما دعانا لإعتبار الديمقراطية هي فرض الوقت الدي له الأولوية كي نتمكن من العمل، ومع ذلك فإن إستعادة البيئة السياسية الملائمة، وعودة الحياة العلنية للتنظيمات الحركية، لن يكفي لحل الأزمة الحقيقية التي تواجهها حركة الإحياء الإسلامي (ولعل القارئ المتابع لنا قد إستشف هذه الفكرة بين سطور المقالات السابقة في هذه السلسلة).
لقد إستندت الدعوة إلى العودة للحياة في ظل منهج الإسلام، منذ بدأت في العصر الحديث، على ركيزتين:
الركيزة الأولى هي أن إتباع منهج الإسلام في تنظيم الدولة والمجتمع، والذي جسده شعار "تطبيق الشريعة"، هو فريضة واجبة على كل المسلمين بحكم الإيمان.
والركيزة الثانية هي أن الإسلام يحمل في تعاليمه أفضل الحلول لمشاكلنا، وأن الشريعة قادرة على تنظيم الدولة والمجتمع لتحقيق العدالة الإجتماعية والتنمية الإقتصادية والإستقلال السياسي وتفجير الطاقات الخلاقة لكل أبناء الأمة بأكثر مما تستطيعة أي فكرة أو أيديولوجية أخرى، وهي الفكرة التي جسدها شعار "الإسلام هو الحل".
ما زلنا – نحن أنصار الحل الإسلامي - نؤمن إيمانا جازما بصحة هذه الأفكار، لكن إذا وصلنا للكلام عن قدرتنا على تحريك الجماهير خلفها فإن هاتين الركيزتين، لشدة الأسف، قد أصابهما الكثير من الوهن من حيث القدرة على التحريك، وذلك كنتيجة مباشرة لفترة الحكم الإسلامي (وليس بسبب الإنكسارة التي مني بها هذا الحكم)، وإذا إستعدنا ديمقراطيتنا السليبة، وسنستعيدها بإذن الله إذا بذلنا الجهد وأخلصنا النية، فإن العمل الإسلامي سيعاني معاناة كبيرة نتيجة فقدانه لثقة الناس العادية.
عندما تصبح الظروف ملائمة كي نطلب من الجماهير أن تنتخبنا لنطبق الشريعة ونحل بها مشاكلهم فسيواجهنا خصوم الحل الإسلامي، الليبراليون بالذات، بأن رئيسا إسلاميا قد حكم لمدة عام لم نتقدم فيه تقدما يذكر، وإذا كان قد جاء لتطبيق الشريعة فإن ما قام به، وما قال أنه يريد أن يقوم به، هو بالضبط ما يقوله الليبراليون، أما إذا لم تكن هذه السياسات التي أعلنها الرئيس هي تطبيق الشريعة فما الذي منعه من تطبيقها، مع أنكم لم تملوا من تكرار القول أن تطبيقها هو فريضة شرعية واجبة على كل المسلمين لا عذر لهم في التقاعس عنها؟
إذا كنا سنستمر في ترديد نفس الإعتذار الذي نردده الآن، وهو أننا حاولنا ولكن الدولة العميقة أعاقت محاولتنا، فسنتلقى ردا قاسيا، لكنه حقيقي للأسف، هو أن الدولة العميقة ما زالت موجودة، بل إزدادت عمقا، وقد ثبت عجز أسلوبكم عن التعامل معها .. ثم ما هو هذا الذي حاولتم تطبيقه وأعاقتكم الدولة العميقة؟ .. إن كل ما أعلنتم أنكم بصدد تطبيقه هو نفسه ما كان يعلنه نظام مبارك، فما هي هذه الشريعة التي ستعيد البناء على أسس مختلفة؟ .. نحن – هكذا سيقول الليبراليون للشعب المصري – سنلتزم بتنفيذ كل ما جاء في برنامج الرئيس مرسي، لكننا سنكون أقدر على ذلك من الإسلاميين، فنحن نمتلك مفاتيح الدولة العميقة ونعرف كيف نتعامل معها، كما أننا في نفس الوقت لن نضطر للدخول في مواجهة مع القوى العولمية، بل على الأرجح سنتلقى منها دعما كبيرا، لأننا سنعمل في تناغم معها، فما هو المنطق في أن تعطوا السلطة للإسلاميين؟
إذا راجعت مقالاتنا السابقة في هذه السلسلة، وإذا وافقتنا على صحة ما رصدناه فيها، فستضطر للإعتراف بأن الليبراليين لن يحتاجوا إلى الكذب للتدليل على صحة ما يقولون، وسيصدقهم الشعب لأنه رأى بعينه ما يتحدثون عنه .. هذه هي الأزمة الحقيقية التي تعاني منها حركة الإحياء الإسلامي، وإذا لم نجد الوسيلة للخروج منها فإن الديمقراطية، التي مازلنا رغم كل ذلك نراها فرض الوقت، لن تأتي بالإسلاميين للحكم، ولن يكون العيب في الديمقراطية.
لا يمكن الزعم بأن هناك طريقا وحيدا لايوجد غيره ولابد من السير فيه للخروج من الأزمة، قد تتعدد الطرق كما تتعدد المذاهب، لكن الأمر المؤكد هو أن الحركة الإسلامية بكل فصائلها (في حدود ما نسمعه منهم) لم تبدأ بعد في سلوك أي منها، لأنها في الواقع ما زالت تدفن رؤوسها في الرمال، وتصر على أننا قمنا بكل المطلوب، لكن الإنقلابيين هم الذين غدروا بنا .. علينا أن نبدأ الآن وفورا، وأن نعطي الأولوية لإستكشاف هذه الطرق والإتفاق على واحد منها، لإخراج فكرة الإحياء الإسلامي من المأزق الذي أوقعناها فيه، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.