برنامج إسلامي بدون إقتصاد إسلامي

منذ 5 سنة | 1800 مشاهدات

نعرف أن الشريعة لم تأت بنظام إقتصادي معين، وإنما جاءت بأهداف وتوجيهات ومبادئ عامة وأحكام للمعاملات، وتركت لكل مجتمع مسلم أن يصوغ نظامه حسب ظروفه الخاصة في الزمان والمكان، ولن نطلب من أي برنامج سياسي أن يقدم كل التفاصيل الإجرائية، لكن عليه بالتأكيد أن يوضح إختياراته الأساسية من ضمن البدائل المختلفة التي يمكن لأي منها تحقيق الأهداف الإقتصادية للإسلام، ولكن برنامج الرئيس مرسي لم يتضمن في شقه الإقتصادي أي إشارة للطريقة التي يعتزم أن يحقق بها تلك الأهداف (وهدا تحصيل حاصل، فالأهداف نفسها لم ترد عندما تحدث عن المرجعية)، وكل ما فيه يتحدث عن إقتصاد حر يعتمد على مبادرات القطاع الخاص وتكتفي فيه الدولة بإنشاء البنية التحتية وتوفير مناخ ملائم للإستثمار ومحاربة الفساد .. إلخ، وهي بالطبع أمور يطلبها الإسلام من دولته، لكن الإقتصار عليها وتجاهل باقي المتطلبات يقود إلى نظام ليبرالي وحسب، فالقطاع الخاص مجرد واحد من اللاعبين الأساسيين في نظام إسلامي، ولا يمكنك أن تتركه يلعب وحده ثم تتوقع أن أهداف الإسلام ستتحقق تلقائيا، ليس هذا رأيا شخصيا، ولا هو رأي جديد، ودعنا ننقل حرفيا عن واحد من بناة الفكر الإقتصادي الإسلامي المعاصر، الدكتور عبد الحميد الغزالي رحمه الله، وهو من الإخوان المسلمين، وقد توفي بعد الثورة بشهرين أو ثلاثة، لكن الذين كتبوا البرنامج لابد وأنهم من تلامذته، ولا تدري كيف تجاهلوا أفكاره .. ونحن ننقل عن واحد من أهم كتبه (في نظري) "حول المنهج الإسلامي في التنمية الإقتصادية"، الصادر عن دار الوفاء عام 1989، وكل التأكيدات من عندنا:

          "وأساسا يتم إستخدام المال وتثميره عن طريق الإعتماد الجماعي على الذات وفي إطار نظام أولويات شديد الوضوح، ودقيق التحديد، ويتدرج هذا النظام، بحسب الأهمية، يبدأ من إنتاج وتوزيع وإستهلاك الضروريات، أي الأشياء التي لا يمكن أن تقوم الحياة بدونها .... ثم تأتي مرتبة الحاجيات .... ثم أخيرا تأتي .... التحسينيات. ص 73

          "ويقوم إستخدام المال – أي الموارد – وفقا لهذا المنهج على أساس شامل ومتوازن، لا يعرف إهدار الإمكانيات أو تبديد الطاقات، ويستند هذا الإستخدام إلى دور محدد للدولة أو القطاع العام يتركز في تنمية الهياكل الأساسية والمرافق العامة والمشروعات التي يحجم عن الدخول فيها القطاع الخاص، إما لكبر حجم التمويل المطلوب لها، أو لإرتفاع درجة مخاطرها، أو لتدني العائد المتوقع منها، أو لعدم تحقيق عائد إلا بعد آجال طويلة نسبيا، أو لبعض أو كل هذه الأسباب. ص 74

          "أما الدور الرئيسي في الإستخدام الكفء للموارد وإحداث عملية التنمية، كهدف لهذا المنهج، ومن منطلق تكامل وتعاون مع الدولة والقطاع العام، فهو مسئولية القطاع الخاص، شريطة توافر "الحاجات الضرورية" لهم، وينبثق هذا الشرط، وفقا لنظام الأولويات الإسلامي، من حقيقة أن التنمية الإقتصادية ليست سببا لإشباع الحاجات، وإنما تعد نتيجة لهذا الإشباع.

          "ويتم ذلك من خلال مشروعات إنمائية صغيرة، ليست مشروعات تتكلف الملايين،  ولكن ملايين المشروعات، وفقا لإحتياجات أفراد المجتمع .... وعلى أساس تكنولوجيا تتفق مع المرحلة التي يمر بها الإقتصاد .. ص 75

          "ويتم هذا الجهد وفقا لبرامج إنمائية "تأشيرية" ومترابطة ومتناسقة من حيث الأهداف والوسائل، وواقعية من حيث الإمكانيات والقدرة على التنفيذ" ص 76، إنتهى الإقتباس.

          هذا بعض ما كتب الدكتور الغزالي رحمه الله في جانب واحد من جوانب الإقتصاد الإسلامي، وهو المتعلق بالتنمية، فهل ترى في الشق الإقتصادي ل"برنامج النهضة" أي ملمح يشير إلى أن الذين كتبوه يضعون نصب أعينهم إقامة إقتصاد جماعي (إقتصاد السوق الحر هو إقتصاد فردي بإمتياز)؟ .. أو أن الرئيس سيتخذ من الإجراءات ما يضمن توجيه الموارد لتحقيق الضروريات أولا (إقتصاد السوق يتوجه أولا لتلبية إحتياجات أصحاب القدرات الشرائية الأعلى)؟ .. أو أنه لن يشجع المشروعات المليونية وإنما ملايين المشروعات (البرنامج يسير في خط معاكس لتوصيات الغزالي)؟ .. أوسيعطي للتكنولوجيا المحلية أولوية على التكنولوجيا المستوردة؟ .. أو سيضع خططا تأشيرية ويستخدم أدوات السلطة المختلفة لتوجيه الإقتصاد نحوها؟ .. وهل عالج موضوع القطاع العام بالطريقة التي يصفها الدكتور الغزالي أم أنه إقتصر على إشارات مقتضبة جدا عن مراجعة برنامج الخصخصة كي تحتفظ الدولة بالمشروعات الإستراتيجية والرابحة (لاحظ أن مؤشر الربحية لم يكن من المؤشرات التي ذكرها الغزالي لإختيار مشروعات القطاع العام)؟ .. أضف إلى ذلك أن برنامجا من عشرات الصفحات لم يحتوي ولو أسطر قليلة عن مسألة تطوير القطاع العام وإصلاحه وزيادة فاعليته.

          ويبدو أن واضعي هذا البرنامج لا يعرفون (أو يعرفون ويتجاهلون) أن نظام السوق الحر لا يعترف أصلا بفكرة العدالة الإجتماعية، وكل ماذكروه من برامج للرعاية الإجتماعية والصحية وإعانات البطالة والمرأة المعيلة .. إلخ هي برامج موجودة في كل النظم الرأسمالية، والملاحظة الغريبة أنهم يجعلون هدف هده البرامج هو توفير الحد الأدنى، وليس حد الكفاية (راجع مقالنا "الفريضة التي نتجاهلها")، أما قضية تنظيف الإقتصاد من بلاء المعاملات الربوية فلم يشر إليها البرنامج ولو بإعتبارها هدفا بعيد المدى يتم التعامل معه بعد أن تستقر آليات التمويل الإسلامي وتثبت قدرتها على الوفاء بكل الإحتياجات المعاصرة.

          خلاصة القول أن الجماهير المسلمة معذورة إذا لم تر في هذا البرنامج الإقتصادي شيئا مختلفا يحقق مصالحها ويدعوها للتمسك به، ولا هو تطبيق للشرع يستحق التضحية في سبيله حسبة لوجه الله.

شارك المقال