مرجعية ليبرالية بديباجات إسلامية

منذ 5 سنة | 2102 مشاهدات

عندما إختارت الجماهير المصرية هؤلاء الذين ينادون يتطبيق الشريعة كانت تدرك أنها مقبلة على مرحلة تغيير كبرى، لم تكن لديها فكرة واضحة، لأن أحدا لم يوضح لها، معالم هذا التطبيق، لكنها كانت تعرف مبادئ الإسلام، وتعرف، بحسها التاريخي وبمعلوماتها المستقاة من خطب الدعاة، أن تطبيق الشريعة لابد وأن يعني تغييرا في الأنظمة وفي طبيعة السلطة، تغييرا سيريحها من أشياء كثيرة تنغص عليها حياتها، ويأتي لها بأشياء كثيرة تريدها من أجل حياة أفضل.

          لكنك عندما تقرأ ما كتب في البرنامج الرئاسي تحت عنوان "المرجعية الإسلامية" ستصاب بخيبة أمل، وحتى لو لم تقرأه، وإكتفيت بمتابعة الخطاب الرسمي والأداء الحكومي لنظام الرئيس مرسي، وقد عكس بأمانة شديدة ما هو مكتوب في البرنامج، ستصاب بخيبة أمل أكبر، فالمشكلة ليست في الصياغة، وإنما في المضمون والمفاهيم .. تعال نستعرض بإختصار رؤية البرنامج للمرجعية الإسلامية، والتي وردت في خمس نقاط:

                   أولا: تأسيس الدولة لتكون وطنية دستورية، فهي ليست دولة عسكرية .... كما أنها ليست دولة ثيوقراطية تحكمها طبقة رجال الدين .... الحكام مواطنون منتخبون .... والأمة مصدر السلطات .. إلخ.

                   هذا هو ما تعلنه كل القوى السياسية ويجري عليه العمل في كل الديموقراطيات الغربية، الزيادة الوحيدة هو أنه أضاف في نهاية الفقرة أن "هذا إقتداء بفعل الصحابة والخلفاء الراشدين، إذ قالوا: أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم".

                   ثانيا: صيانة حقوق الإنسان التي أقرها الشرع الحنيف، وعلى رأسها إطلاق الحريات .... فالحرية هبة من الله للإنسان بغض النظر عن لونه وجنسه وعقيدته .... إلخ.

                   الجملة اليتيمة التي تشتم منها رائحة إسلامية في هذه الفقرة هي: "في إطار القيم الدينية الأصيلة" .. وكل الليبرالين المصريين يضيفون هذه العبارة إلى كلامهم، ربما يستبطنون بها معنى مختلف عما يستبطنه البرنامج، لكن الكلام المعلن للناس كله سواء.

                   ثالثا: تحقيق مبدأ المواطنة والمساواة وإلغاء كل أشكال التمييز وإقامة العدل بكل صوره .... حقوق وواجبات متساوية يكفلها القانون وفق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص دون تمييز بسبب دين أو عرق .... المصريون "مسلمون ومسيحيون" شركاء الوطن وبناة حضارته .. إلخ. الزيادة الوحيدة في هذا الكلام عما يقوله الليبراليون هو إيراد آيتين "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" و "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ... " إلى آخرها.

                    رابعا: دعم وتمكين المرأة المصرية وإفساح الطريق لها للمشاركة المجتمعية، فالنساء شقائق الرجال كما جاء في الحديث الشريف.

                   خامسا: إعادة الإعتبار للمؤسسة الدينية – الأزهر والكنيسة – والعمل على إستقلالها (مع أن أصواتنا قد بحت من تكرار التأكيد على أن الأزهر هو مؤسسة علمية، وليس في الإسلام مؤسسة دينية).

                   هذا هو بالضبط كل ما ورد تحت عنوان "المرجعية الإسلامية"، ولا إعتراض لنا إلا على النقطة الأخيرة، فهي بالقطع ليست من مبادئ الإسلام، أما الباقي فهو فعلا مما يمكن أن يندرج في إطار المرجعية الإسلامية، لكنك إذا إجتزأت أي منظومة قيمية، فأخذت بعضها وتركت بعض، لم تعد هي نفس المنظومة، المرجعية كل متكامل، لا تؤتي ثمارها إلا من تضافر مكوناتها، والمفقود هنا أكثر من الموجود، ولن أذكرك بالمرجعية الإسلامية، ستجدها لو شئت في كتابات البنا وقطب والمودودي والغزالي والقرضاوي ومالك بن نبي وعلال الفاسي وعماد الدين خليل وقائمة من رواد الفكر الإسلامي المعاصر أطول من أن نتذكرها.

                   لسنا بصدد لوم الذين كتبوا هذا البرنامج، لكن أنظر إلى النتيجة التي يخرج به الناس عندما تقول لهم أن هذه هي المرجعية الإسلامية: لا فرق إذن بين الحكم الإسلامي وأي حكومة ليبرالية ديموقراطية نزيهة، فلماذا إذن علينا أن نبذل الجهد ونقدم التضحيات ونخاصم الشرق والغرب كي يقوم نظام إسلامي في مصر؟ .. إذا كانت هذه هي فعلا المرجعية الإسلامية فالنتيجة صحيحة، لكننا نشهد الله على أن ما سقط من البرنامج سيغير الصورة تماما إذا أعدناه، أي إدا عدنا إلى الصيغة التي نجدها عند قادتنا الأعلام من مؤسسي حركة الإحياء الإسلامي في العصر الحديث.

                   هذه بإختصار هي أزمة الفكرة الإسلامية بصورة مجملة كما نتصورها، والصورة أكثر قتامة وبعدا عن الأصل عندما نتأمل تفاصيل الأهداف التي قال البرنامج أن الرئيس الإسلامي سيسعى إلى تحقيقها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.  

شارك المقال