أين إختفت وعود الحل الإسلامي؟

منذ 5 سنة | 3465 مشاهدات

أوضحنا الهدف من هده السلسلة مند بدايتها، وهو إستكشاف طبيعة الأزمة التي تعاني منها الفكرة الإسلامية حاليا مع رجل الشارع العادي، ولا يمكن لأي فكرة، مهما كانت صحيحة في داتها، أن تقود عملية تغيير بالوسائل السلمية إلا إدا كانت تلقى دعما ومساندة إيجابية من جموع الناس، علينا أن نجد إجابة للسؤال المحوري: أين دهبت الجماهير التى أعطى 80% منهم أصواتهم للتيار الإسلامي في برلمان الثورة؟ .. لمادا لم تدافع يوم 3 يوليو 2013 عن إختيارها الإسلامي؟ (راجع مقال "شعب مسلم") .. علينا ألا ندفن رؤوسنا في الرمال وأن نقر بأن الدين خرجوا ضد الإنقلاب كانوا في أغلبهم هم الإسلاميون وحدهم، أما جماهير الشعب، جحافل الناس العادية، فقد إتخدت غالبيتها، عدا بؤر صغيرة متفرقة، موقف المتفرج من صراع لا ترى نفسها طرفا فيه.

          ولم يجد الإسلاميون الكثير ليدافعوا به عن حكم الرئيس مرسي غير أنه أول رئيس مصري منتخب إنتخابا نزيها، أي أن دافعهم للإعتراض على ما حدث إنما هو الإنتصار للشرعية (هكدا سموا أنفسهم: أنصار الشرعية)، وكأنهم لا يجدون ما يقولونه عن أهداف الشعب المصري ومصالحه التي كان من المفترض أن النظام الإسلامي جاء لتحقيقها، والتي قام الإنقلاب اساسا ليعرقل هده المهمة (هدا موضوع يستحق شرحا مطولا، ربما نخصص له مقالات تالية).

          من لطف الله بهده الأمة أن العسكر لم يلتزموا بالخطة التي نعتقد أن مصممي الإنقلاب وداعميه الغربيين قد وضعوها (ولم يكن الدعم الخليجي إلا جزءا من هده الخطة)، وهي الخطة التي ألمح محمد البرادعي إلى وجودها عندما صرح بأن العسكر قد خالفوا الإتفاق وإنفردوا بالسلطة .. إدا راجعنا ما كتبه المحللون الغربيون في أعقاب ثورة الخميني عن مسئولية الأخطاء الأمريكية عن إلتفاف الشعب حوله، وما ساقوه لنقد أسلوب السياسية الأمريكية في دعمها للشاه بعد الإنقلاب الدي دبرته المخابرات الأمريكية والإنجليزية على الدكتور محمد مصدق عام 1954 (راجع كتيب "حتى لا يعود الشاه")، فسيمكننا تلمس الخطوط العريضة لهده الخطة، وهي أن يقوم العسكر بإزاحة الإخوان ثم يتواروا في الظل، ليظهر في واجهة السلطة مجموعة من الليبراليين الأدكياء، الدين كان في مقدورهم أن يستخدموا عشرات المليارات من الدولارات التي تدفقت على مصر ليحققوا تحسنا سريعا وملحوظا في مستوى معيشة الجماهير .. لو كان هدا قد حدث لكان من المؤكد أن نستمر لعقود متطاولة عاجزين عن إعادة إحياء الفكرة الإسلامية كسبيل للنهضة، إلى حين ظهور سلبيات الحل الليبرالي وضرره على مصالح جموع الناس، لكن رحمة الله شاءت أن يتسلم السلطة مجموعة أساءت التصرف على كل المستويات، ولولا دلك ما كنا سنرى الآن أي جدوى من علاج البرنامج السياسي والإقتصادي للحركة الإسلامية على أمل أن تتمكن من إعادة طرح نفسها بإعتبارها البديل الوحيد القادر على قيادة النهضة الحقيقية.

          لو كان الحل الإسلامي يقتصر على توفير بيئة أفضل لممارسة التدين، ولا يتضمن في صلبه إجراءات عملية قادرة على تحسين حياة الناس الدنيا، وبسرعة، وقادرة على حشد الجماهير خلفها ومعها، لوكان الأمر كدلك لكان للإسلاميين عدرهم عند لقاء المولى عز وجل، لكن الأمر ليس كدلك على الإطلاق، فالتغييرات التي يطلبها الحل الإسلامي في هيكل النظام الإجتماعي والإقتصادي والسياسي بهدف تحقيق المصالح الدنيوية تمتلئ بها أدبيات مفكري الحركة الإسلامية، وأغلبهم من الإخوان المسلمين، وبعضهم عرض عددا من الإجراءات العملية التي يمكن البدء بها فورا لتؤتي أكلها بسرعة، وهي إجراءات يمكن حشد الجماهير لتبنيها والعمل على تنفيدها بأنفسهم، كي يشعروا أن هدا النظام نظامهم، وأنهم هم المستفيدون منه، وهم المسئولون عن الدفاع عنه في مواجهة كل من يريد عرقلة نهضتهم.

          لكن حكومة "الثورة"، بدلا من دلك، تبنت برنامجا ليبراليا قحا، يعتمد في شقه الإقتصادي على مبادرات رجال الأعمال، وهو تفكير ينطوي على سوء تقدير للأوضاع المصرية، وفي شقه السياسي يعتمد على تبني الديمقراطية الغربية، ومع أننا نعتقد أن الديموقراطية هي السبيل الوحيد للحكم الإسلامي، لكننا لم نكن نقصد نمط الديمقراطية الغربية التي تم تفصيلها خصيصا لضمان سيطرة كبار رجال المال والأعمال على السلطة .. يبدو أن الحس التاريخي للجماهير المسلمة كان أكثر نضجا من فهم نخبها السياسية، فلم تشعر هده الجماهير بأي علاقة بين برنامج الحكومة وممارساتها وبين الشعار الدي إلتفوا حوله بعد الثورة: الإسلام هو الحل .. وسمعنا، قبل الإنقلاب، من يقول (وهو محق): ما الفرق بين هدا الكلام وما كان يقوله مبارك والسادات؟

          صحيح .. لو راجعت البرناج الرئاسي للدكتور محمد مرسي ستجده يتبنى الخطوط العريضة لبرنامج وزارة أحمد نظيف .. نعم مرسي أنظف من نظيف، ولكن أين التغييرات الهيكلية التي تعبر عن منهج الإسلام المتفرد؟ .. وإدا لم تعلنها في البداية لتجمع حولك الجماهير المتعطشة للتغيير، فمتى ستعلنها؟

          سنخصص المقال القادم بإدن الله لعقم البرنامج الإقتصادي وحتمية تغييره، وإلا فلن يصدقنا أحد عندما نقول أننا قادرون على أن نستنبط من الإسلام حلولا لجميع مشاكلنا، وعلى الله قصد السبيل.

شارك المقال