قناة السويس: كلاكيت عاشر مرة

منذ 6 سنة | 2033 مشاهدات

بدأ دق الدفوف ونصب الرايات إستعدادا لفرح إفتتاح المرحلة الأولى لمشروع تفريعة قناة السويس بالكلام عن روعة الإنجاز وعن هدية مصر للعالم إلخ، هذا يذكرك بالاحتفالات التي كان يستقبل بها منتخبنا الكروي بعد هزيمته في بطولة دولية بدعوى أنه أدى أداءا مشرفا، أو بإشادة النقاد بفيلم سقط جماهيريا بزعم أنه فيلم راقي فنيا .. الأمر هنا يجب أن يكون مختلفا، فالمشروعات لا تقام بهدف التباهي بالأداء الجيد أو الاستمتاع بالفن الراقي، نحن ننفق الأموال ونخصص الموارد كي نحقق عائدا إقتصاديا .. نحن لا نعتبر أن أي مشروع قد نجح لمجرد أنه حقق عائدا أكبر من تكلفته،بل لابد أن يكون الفرق بين العائد والتكلفة (الربح بالمفهوم التجاري) أكبر مما كان يمكن أن تحققه المشروعات الأخرى التي أجلناها حتى نوجه إستثماراتنا الشحيحة لهذا المشروع بالذات .. فما بالك بمشروع لا نتوقع أن يحقق أية إيرادات على الاطلاق؟؟!!

          إنهم يحدثوننا عن أن الانجاز الذي تحقق هو استكمال المشروع خلال عام، لكن لا أحد يحدثنا عن العائد الذي سيدره هذا المشروع .. وقبل أن نتكلم عن آخر الأخبار المزعجة لا بأس من أن نذكر القارئ ببعض الحقائق التي قلناها من أول يوم حتى لا نتوه في كرنفال الاحتفال وننسى الخسارة الفادحة التي تسبب فيها هذا المشروع، وهي بكل وضوح الفوائد المرتفعة التي ستتحملها الخزينة العامة (فالمشروع لن يحقق زيادة في إيرادات القناة)، بالاضافة لضياع المنافع التي كنا سنحصل عليها لو وجهنا هذه المليارات المهولة لمشروعات أخرى نحتاجها فعلا وتحقق عائدا ماديا وتخلق فرص عمل دائمة.

          لقد قلنا أنه بدون هذا المشروع كان عدد السفن الذي يمر في القناة حوالي ثلثي الحد الأقصى الممكن، وإذا اعتبرنا أن معدل الزيادة السنوية في حجم التجارة الدولية هو نفسه معدل الزيادة في عدد السفن التي ستعبر القناة فإننا لن نصل إلى الحد الأقصى إلا بعد 7-9 سنوات .. إن هذا يشبه رجلا يملك مصنعا للسيارات قادر على إنتاج 1000 سيارة سنويا، لكنه لا يبيع أكثر من 700 سيارة لأنه لا يوجد مشترين، فإذا به ينفق أمواله على زيادة قدرة مصنعه لتصل إلى 1500 سيارة.

          أما إذا أخذنا في الاعتبار التطورات التي حدثت في صناعة بناء السفن خلال العقد الأخير، حيث زادت حمولات السفن الجديدة حوالي الضعف، وربما تزيد لأكثر من ذلك خلال العقد القادم، لأن زيادة الحمولة توفر كثيرا في نفقات التشغيل وتقلل من تكلفة النقل، فإن الزيادة في حجم التجارة الدولية سيتم استيعابها تماما بدون زيادة في عدد الرحلات، أي أن السفينة الواحدة ستنقل في الرحلة الواحدة كميات أكبر، ولن تحتاج لزيادة عدد مرات عبورها في القناة، وبعض الخبراء يقدرون أن عدد السفن التي ستعبر القناة في السنوات القليلة القادمة سيقل عن العدد الحالي .. معنى هذا أننا لن نحتاج للتفكير في زيادة الحد الأقصى لعدد السفن التي تعبر القناة إلا بعد حوالي 20 سنة .. الأخطر من ذلك أن المجرى الملاحي الحالي لا يسمح بمرور السفن الضخمة الجديدة ذات الغاطس الكبير، وما نحتاجه ليس عمل تفريعة لزيادة عدد السفن، لكننا نحتاج لتعميق المجرى القديم ليس إلا .. وفي جميع الحالات لم يكن هناك أي استعجال على أي مشروعات في المجرى الملاحي، ما كنا نريده بسرعة هو المشروعات التي تقدم خدمات للسفن العابرة فعلا، وهذه لم نسمع لها حس ولا خبر حتى الآن (لأنها بصريح العبارة تنافس ما تقدمه الإمارات من خدمات وتتفوق عليه).

          أما ما يجعل قطيعا كاملا من الفئران يلعب في عبنا هو أنهم يقولون أن الاحتفال سيكون بانتهاء المرحلة الأولى!! .. لم نكن نسمع من قبل عن مراحل للمشروع، ولم يقل لنا أحد ما هي بالضبط هذه المرحلة الأولى، وما هي المرحلة الثانية، ومن كم مرحلة يتكون المشروع .. ما هذا التعتيم المريب؟ (عندما يقارن أبناء جيلي هذا الوضع بما كان في الستينات أثناء تنفيذ السد العالي سيدركون أنه بالتأكيد وراء الأكمة ما ورائها، فقد كان طلاب كليات الهندسة، بل كل مهتم من عامة الشعب، يعرف بالضبط كل مكونات المشروع وكل خطواته والمشاكل الفنية التي واجهت التنفيذ وكيف تم التغلب عليها والدروس المستفادة من العمل فيه .. إلخ.. والسد العالي بالمناسبة أنجزه القطاع المدني بقيادة واحد من أعظم مديري المشروعات المصريين في العصر الحديث هو المهندس صدقي سليمان رحمه الله).

          ويعزز من شكوكنا ما نشرته الصحف من أكثر من أسبوعين من أن الحفر قد وصل إلى عمق 24 قدما، أي حوالي سبعة أمتار ونصف، إنتبه كل المتخصصين لهذا الرقم، فهذا العمق لا يسمح بمرور سفن النقل، هذه مجرد ترعة للصنادل النهرية واليخوت الكبيرة، وبعدها بحوالي عشرة أيام نشروا أنهم انتهوا من 95% من أعمال التكريك، عندها بدأ بعض أنصار الإنقلاب يلفتون انتباهنا إلى أنه يبدو أن هناك خطأ قد حدث في النشر السابق وأن الحفر كان قد وصل إلى 24 مترا وليس قدما .. أبدا يا سادة، إن العمق النهائي المستهدف هو 24 مترا، و95% من هذا العمق تساوي بالضبط 22.8 مترا، أي ليس 24 أي حاجة .. خاصة أن بين الخبرين حوالي عشرة أيام .. هل يجعلنا هذا نصدق أن الحفر لن ينتهي في الموعد لكنهم سيحتفلون على أي حال لحفظ ماء الوجه؟ هذا ممكن بالطبع، فأنت عندما تنظر إلى الصور والأفلام التي تلتقط للقناة أو النيل أو أي ممر مائي لن يمكنك أن تعرف مقدار عمقه تحت الماء .. لكننا لسنا مهتمين على الإطلاق بما إذا كان الحفر سينتهي في موعده أو سيتأخر لمدة عام أو عامين، ما يهمنا هو أن يقول لنا أي إنسان ما هو العائد من هذا المشروع وكيف سيتحقق؟ .. من أين ستأتي الزيادة في رسوم العبور؟ .. قولوا حاجة .. أي حاجة.

شارك المقال