منذ 1 سنة | 2500 مشاهدات
لا تقدم حركة الإحياء الإسلامي بكل فصائلها ومفكريها تصورا واضحا عن شكل الدولة المعاصرة التي يرغبون في إقامتها لكي يحكم الإسلام كل جوانب الحياة رغم مرور حوالي قرن كامل على بداية العمل الحركي المنظم بإتجاه هذا الهدف، مع أن وجود هذا التصور شرط لازم كي تكون لديك فكرة ، مهما كانت مجملة، عن الخطوات العملية التي يجب إنجازها حتى يتم بناء هذه الدولة.
لم يكن غياب هذا التصور عائقا أمام النجاح في تحقيق هدف المرحلة الأولى للإحياء، وهو إيقاظ الجماهير المسلمة وبث الحماسة فيها وترسيخ الوعي العام بأن إقامة الدولة على مبادئ الإسلام وأحكامه ومقاصده يعد فريضة دينية وفي نفس الوقت شرط لازم لبناء نهضة حقيقية، فالحركة في مرحلتها الأولى كانت حركة ثقافية وإجتماعية غيرمطلوب منها ممارسة العمل السياسي، أو ما اصطلح على تسميته "الدعوة" أو التعريف بالفكرة، وعندما يقتصر الأمر على العمل الدعوي فإن الأفكار الأساسية التي تحتاجها ستجدها موجودة ومعروضة بطريقة ممتازة في تراثنا ( التراث هو فهم وتطبيق مسلمي القرون الأولى، وليس هو الإسلام نفسه)، في كتب العقيدة وعلم الكلام والتفسير والسيرة والحديث والأذكار والرقائق .. إلخ وشروحاتها، وكل المطلوب هو أن تعتمد على مواهبك وعلمك كداعية إسلامي كي تعيد صياغة هذه الأفكار بأسلوب يناسب عوام المسلمين في هذا العصر (وهو ما تفوق فيه حسن البنا وكان تنظيمه ملائما تماما لهذا الغرض)، وذات المصادر التراثية ستقدم لك أغلب الزاد الذي تحتاجه في معاركك الفكرية مع المشككين ومثيري الشبهات، ففي كل المواجهات الفكرية التي خاضتها الحركة في هذه المرحلة لم يكن لخصوم الإسلام المعاصرين أي شبهات لم يطرحها سلفهم في العصور السابقة، وواجههم سلفنا وتغلبوا عليهم، حتى الإنبهار بالتقدم الحضاري الغربي والخشية من مواجهته وجد له مثيل في صدر الإسلام، غير أن أجدادنا العظام قطعوا الشك باليقين بشكل عملي سريع عندما اشتبكوا مع الفرس والروم وتغلبوا عليهما وتمكنوا من إقامة بناءهم الحضاري الناجح والمتميز، أنت تقف في مجال الدعوة على قاعدة فكرية صلبة تستند إلى دعائم شديدة القوة أرساها لنا فهم سلفنا العظيم لكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولسنة الصادق المصدوق (ص) الذي لا ينطق عن الهوى.
تصور الكثيرون أن الشأن عندما ننتقل إلى مرحلة العمل السياسي لن يختلف عن ذلك إلا قليلا، فممارسة السلطة تدور حول تحقيق مصالح الناس، وأغلب هذه المصالح ترعاها الأحكام الشرعية التي استفاضت فيها المذاهب الفقهية، وما استجد منها سيتولى أمره علماء أجلاء تحمسوا لفتح باب الإجتهاد .. إذا كان هذا التصور صحيحا فإن قدرتنا على توفير العلماء الشرعيين النابهين والمنفتحين على سائر التخصصات العلمية الحديثة هي السبيل للوصول إلى الحلول الفكرية المطلوبة لكل المشاكل العملية، ولن ينقصك إلا المهارات الإدارية المطلوبة للتنفيذ كي يتحقق الهدف ويتم تطبيق الشريعة .. هذا في الواقع تصور شديد القصور، يحصر القضايا الفكرية لبناء دولة إسلامية معاصرة داخل إطار أسلمة القوانين وتجديد أحكام الفقه، في حين أن إحياء الإسلام في الحياة هو عملية تفاعلية يلعب فيها إدراك الواقع، بمشاكله وتحدياته، وفرصه وإمكاناته، دورا كبيرا في صياغة المنظومات والممارسات والأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية المطلوبة .. لقد أكد كبار مفكري الحركة الإسلامية على أن الإسلام سيبني منظومة الحياة كلها على أسس مختلفة عن تلك التي تقوم عليها المنظومات العالمانية الحالية، تلك الفكرة التي أوجزها الشهيد سيد قطب في عبارته الشهيرة "الإسلام نسيج وحده"، والتي سنزيدها تفصيلا في ما بعد بإذن الله، غير أن ما يهمنا التأكيد عليه في هذا المقال هو أن تراثنا الفكري لن يفيد كثيرا في الصياغة التفصيلية لطرح سياسي معاصر لطريقة إستعادة الإسلام إلى الواقع المعاش (وأكرر: التراث هو فهم وتطبيق مسلمي القرون الأولى، وليس هو الإسلام نفسه) .. سنحتاج لأن نبدع لأنفسنا الطريق المناسب لبناء حياة إسلامية معاصرة.
لم تواجه أمتنا أبدا عملية إنشاء نظام إسلامي من الصفر ليحل محل نظام آخر قائم ومتجذر ومتواجد على الأرض فعلا بكل أجهزته وأدواته ورجاله ومصالح الذين يدورون في فلكه، فدولة الإسلام الأولى التي أسسها الرسول (ص) وعاشت دون إنقطاع – تقريبا - حتى إلغاء الخلافة في 1925 لم يسبقها أي نظام سياسي من أي نوع، فالعرب لم يخضعوا لأي سلطة سياسية في تاريخهم منذ خلق الله آدم، كانوا قبائل متفرقة يقودها شيوخ يخضع لهم أفراد القبيلة بشكل عرفي في علاقة شخصية مباشرة، بدون أجهزة أو أدوات سياسية، وما زال هذا النوع من القيادة موجود فعلا في العديد من البلاد الإسلامية (جزيرة العرب والعراق وأفغانستان وليبيا والسودان مجرد أمثلة)، لذلك لا نجد في تراثنا أي بحث عن كيفية تغيير نظام إجتماعي سياسي إقتصادي موجود ومسيطر وقائم على أسس غير إسلامية، ولا أسلوب معالجة بقايا هذا النظام وأـجهزته ومؤسساته بعد أن نزيل أركانه ونشرع في بناء أجهزة ومؤسسات أخرى على أسس إسلامية، هذا موقف لم يواجه أمتنا عبر تاريخها كله، فقد كانت السلالات الحاكمة والقبائل والقوى المختلفة تتصارع على السلطة، ومع ذلك لم يكن لدى أي منها رغبة في تغيير النظام.
قد يخطر بالبال أن تراثنا الذي نجده تحت عناوين مثل "الأحكام السلطانية" و"السياسة الشرعية" ربما يعجز عن مساعدتنا في رسم مسار التغيير لكنه على الأقل يقدم لنا تصورا عن بنية الدولة الإسلامية، فيساعدنا على تصور الهدف النهائي ويبقى علينا أن نفكر في الخطوات العملية لبلوغ هذا الهدف، هذه الفكرة بعيدة عن الحقيقة، فهذه المؤلفات وضعت في زمن التراجع وتصف دولا قد إنحرفت عن أحكام الإسلام ومقاصده في ممارسة السلطة، وتحاول إسباغ الشرعية على هذه النظم التي لم يكن قبولها إلا نزولا على أحكام الضرورة وتحملا لأهون الضررين، والإعتماد على الأفكار والصيغ التي وردت في هذه الكتب أدى إلى قدر كبير من التشوش والإرتباك الذي شاب أداء كل فصائل العمل الحركي بطريقة أو بأخرى، وهذا يحتاج إلى تفصيل نفرد له بعض المقالات التالية بإذن الله.
محمد النمر || titocanztitocanz71@gmail.com
استاذنا الدكتور عاصم شخص مقالكم أشد الأمراض فتكا بالمشروع الاسلامى الذى يحلم به كل مسلم مخلص غيور على دينه لأن افتقاد القائمين عليه للرؤية الصحيحة والاستراتيجة اللازمة لتحقيق تلك الرؤية ومحاولة معالجة الأعراض وترك المرض الأساسى عبث صبيانى لا يرقى إلى درجة العمل الجاد الذى تفرغ له الطاقات والهمم لأن أى محاولة لاتبدأ بوضع تصور كامل لهذا المشروع تستند إلى التأسى بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام فى بناء الدولة بدءاً من البناء العقدى لأفراد المجتمع والذى من خلاله يستطيعون تحمل كل التبعات دون كلل أو ملل وانتهاء بتحديد التصور النهائى لتلك الدولة بكافة مؤسساتها القادرة على إدارتها فى كافة المجالات سياسياً واجتماعياً واقتصادياً عن طريق قيادات مدربة سلفاً كل حسب ملكاته وقدراته العلمية والبدنية فلابد من وجود تصور كامل لهذا المشروع قبل الشروع فيه حتى لايتفاجئ القائمين عليه بالفشل الذريع على نحو مارأينا فى أغلب التجارب المعاصرة...جزاكم الله خيراً ونفع بكم ورفع بالعز قدركم... واشهد الله انى احبكم فى الله واسأله تعالى أن يجمعنا فى الدنيا على طاعته وعبادته وفى الآخرة فى مستقر رحمته والدرجات العلا من جنته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.