منذ 2 سنة | 2550 مشاهدات
هل فقد تنظيم الإخوان المسلمين كفاءته وفعاليته؟ بالتأكيد لا، مازال التنظيم قادرا على القيام بالمهمة التي أنشيء لأجلها، لكنه لم ينشأ للعمل السياسي، ومن يريد إستخدامه في الوصول للسلطة والإحتفاظ بها فإنه هو الذي يحاول إستخدامه في غير ما يصلح له.
ليس التنظيم هدفا في حد ذاته، فهو مجرد أداة لتنسيق الجهد الجماعي للوصول إلى هدف مشترك، كفاءة الوسائل والأدوات وفعاليتها تقاس بقدرتها على القيام بوظيفتها، وسنحاول البرهنة على أن أطروحات البنا وتنظيمه كانا شديدا الفاعلية في تغيير الأفكار وحفز والمشاعر، فقد وفرا كل ما يحتاجه تدريب دعاة قادرين على شرح الفكرة وإقناع الناس بصدقها وربطهم بها، فإذا لم نجد في تنظيم البنا عددا من العناصر الأساسية اللازمة للنجاح في ممارسة العمل السياسي لتغييرى الواقع فإننا لا نوجه له أي نقد، وإنما يتوجه النقد إلى هؤلاء الذين لم ينتبهوا إلى أنهم يستخدمون الوسائل التي ورثوها في غير المجال الذي صنعت له، وسنركز هنا على ثقافة التنظيم الداخلية كي ترى بنفسك أنها لم تكن موجهة لرفع كفاءة العمل السياسي وإنما لترسيخ الإنتماء للحل الإسلامي.
إذا قرأت بتركيز "رسالة التعاليم"، وهي توجيهات مخصصة لبناء كوادر التنظيم (القيادات التي تتوسط بين قواعد الحزب وقياداته العليا، وهم الذين يتولون تحريك الجماهير وقيادتهم ميدانيا)، فلن تجد ما يتطلبه بناء الكوادر السياسية، فكل ما فيها يهدف إلى بناء الشخصية المتدينة الفاهمة لتعاليم الإسلام، وعلى تنمية صفات الصلابة والتجرد والإخلاص والإنضباط .. إلخ، وهي صفات مطلوبة ولا شك في الكادر السياسي، لكنها كالأساس الذي يبنى عليه الكادر، وفوق الأساس عليك أن تعطيه المعلومات والمهارات والخبرات اللازمة لممارسة العمل السياسي، لكن الأساس وحده لا يساعد الكادر على تحريك الجماهير ولا التصدي لمناورات الخصوم.
بالطبع يجب أن تكون الكوادر مقتنعة بالفكرة ومخلصة لها، شأنها شأن كل أعضاء الحزب، لكنها ينبغي أن تمتلك فوق ذلك فهما ودراية للواقع السياسي وطربقة التعامل معه، وأهم مكونات هذا الواقع (بالنسبة للكادر في المستويات الوسطى) هم الأنصار والحلفاء والخصوم، والأنصار هم الفئات الإجتماعية المختلفة المرشحة لتأييد أهداف الحزب ودعمها لكنها لا ترغب أو لا تصلح لعضويته .. من هم هذه الفئات، وما هي دوافع كل منها، والتي قد تكون فكرية أو إجتماعية أو إقتصادية، وما هي لغة الخطاب المناسبة لكل واحدة، وما هي الأهداف العملية التي يمكن أن يفهموها ويتحمسوا للعمل من أجلها، وغير ذلك مما يجب أن يعرفه الكادر حتى يكون قادرا على تعبئة الأنصار وتحريكهم.
أما الحلفاء فهم القوى السياسية التي تعبر عن فئات إجتماعية لن تتبنى هدف إقامة دولة إسلامية، لكنها تدرك أن قواها الذاتية أضعف من أن تمكنها من تحقيق رؤيتها الأخرى، وفي نفس الوقت ترى أن النظام الذي نريد إقامته يحقق جزءا لا بأس به من أهدافها (بأفضل مما يمكن لأي بديل آخر، وإلا لذهبت إليه) .. إن قدرتنا على إقناع هذه القوى بأن نظامنا لن يمنعها من محاولة إقناع الشعب بدعمها سيجعلها تقف معنا في خندق واحد ضد نظام يتعارض وجوده مع مصالحها ومصالح الوطن.
وعلى الكادر أن يفهم طبيعة الخصومة السياسية التي تواجهها حركة الإحياء، وأن يعرف ما هي القوى والشرائح الإجتماعية التي تتعارض عقائدها أو مصالحها أو كلاهما مع النظام الإسلامي تعارضا جذريا يمنعها من التعايش معه بأي صورة، ويميز بينها وبين الآخرين الذين يقعون ضحية الدعايات المضللة للخصوم بينما مصالحهم الحقيقية لن يحققها تحقيقا كاملا إلا نظام إسلامي، أو على الأقل لن تتأثر أوضاعهم بالتغيير ومع ذلك يرفضونه بدون تدبر، فمعرفة أساليب الدعايات المضادة وفهم كيفية تفكيكها وفضحها والرد عليها هو واحد من أهم المهارات المطلوبة في الكادر السياسي، ونقطة البدء الطبيعية لتدريبه في هذا المجال هي أن نشرح له الغطاء الأيديولوجي الذي يغطي به كل واحد من الخصوم السياسيين دوافعه، فنحن الإسلاميون يجب أن نعي لأن خصومنا الحقيقيين هم في الواقع أعداء للنهضة والإستقلال وحريصون على إستمرار حالة التبعية والإستلحاق بوعي منهم أو بغير وعي، لكنهم لن يستطيعوا المجاهرة بذلك وإلا إكتسبوا عداء الجماهير، لذلك يلجأون إلى ألاعيب أيديولوجية (البعض يصدقهم للأسف) لإقناع الناس بأنهم هم وحدهم القادرون على قيادة النهضة والتحديث.
لا تهتم رسالة التعاليم بأي جانب من هذه الجوانب، والتوجيه الوحيد الذي نجده متعلقا بالعمل وسط الناس يتعلق بالعمل الخيري .. هذا عمل إجتماعي جيد ومطلوب من كل المسلمين المخلصين، لكنه يصلح فقط كفاتح شهية للعمل السياسي ولا يعد جزء منه، فهو يربط الناس بك عاطفيا لكنه لا يعطيها فكرة عن طبيعة التغيير الذي تريد القيام به، ولا عن دورهم فيه ولا العائد الذي سيجنونه منه، والأهم هو أنه يقدمك لهم كفاعل خير، لا كقيادة قادرة على تغيير مجمل الأوضاع وإحداث نهضة شاملة، كوادر تنظيم البنا مدربة على الدعوة، لكنها غير مؤهلة للعمل السياسي.
يبدو لنا أن عدم تمييز قيادة الإخوان في مطلع القرن الواحد والعشرين بين خصائص تنظيم الدعوة الذي ورثوه عن البنا وخصائص التنظيم السياسي القادر على قيادة عملية التغيير هو واحد من أهم أسباب فشلهم السياسي الذي أدى لهذا الإنكسار الكبير، الأمر الذي سنناقشه عندما نصل للكلام عن هذه المرحلة.