منذ 2 سنة | 2204 مشاهدات
لن تلمس عند حسن البنا تفرقة بين الفكر الإقتصادي والنظام الإقتصادي .. الفكر هو الذي يقدم لنا المبادئ والأسس التي تشتق منها الأهداف، أما النظام فترسمه القوانين والتنظيمات الرسمية والعرفية التي تحكم العلاقات والفاعليات الإقتصادية من إنتاج وتوزيع وإستهلاك، لا تؤخذ هذه النقطة على البنا، فنحن نجدها عند كثير من المفكرين غير المتخصصين عندما يتكلمون في الإقتصاد، علينا أن نبحث بأنفسنا في ما كتبه لنستخلص منه عناصر النظام الذي يسعى لبنائه، وعندما نفعل لا نجد نظاما، وإنما عددا من النقاط – الأساسية فعلا – بينما تغيب مسائل مهمة، فهو على سبيل المثال لا يتحدث عن العمل والعمال والأطر التي تحكم علاقتهم بأصحاب الأعمال ووضع نقابات العمال .. إلخ، ولو كان يسعى لتحريك الجماهير لإقامة دولة إسلامية لإعتبرنا هذه نقطة ضعف كبيرة، خاصة في ظروف مصر بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وتردي أحوال الطبقة العاملة الذي أدى لإنتعاش الحركة الشيوعية بعد الضربة الساحقة التي تعرضت لها في العشرينات، وليس هذا هو العنصر الوحيد الذي غاب تماما عن الأطروحات الإقتصادية للإخوان المسلمين وقتها، الأمر الذي يعزز فكرتنا بأنهم لم يكونوا بصدد الكلام عن النظام الذي يريدون وإنما كانوا يحاولون إقناع الناس بجدية فكرتهم عن ضرورة تغيير النظام الإقتصادي الوضعي.
أما ما عرضه البنا فبعضه كان واضحا جليا لايحتاج إلا لبعض التفاصيل الفنية حتى يترجم إلى قرارات تنفيذية عندما تأتي مرحلة التنفيذ، كالدعوة لإستقلال النقد والإعتماد على مواردنا بدلا من ضمان أذون الخزانة البريطانية للجنيه المصري، أو المطالبة بفرض ضرائب تصاعدية على الثروة وليس على الأرباح (وهو موقف يتفق مع منطق التكافل الإسلامي بأكثر مما وجدناه في برنامج الإخوان في 2012)، وبعضه الآخر كان مجرد فكرة يمكن تنفيذها بعدة طرق ويختلف تأثير كل طريقة على الإقتصاد، فيكتفي بتيني الفكرة دون أن يوضح المنهج الذي سيحكم تنفيذها، كتبنيه لتحديد الملكية الزراعية وتعويض أصحاب الملكيات الكبيرة تعويضا عادلا ثم توزيع الأرض على الفلاحين، وهي التي عرفت فيما بعد ب"الإصلاح الزراعي"، فيمكن تنفيذها بالأسلوب الرأسمالي الذي تبناه نظام الضباط الأحرار، لكن هناك أيضا عدد من الأساليب الأخرى التي طرحها الفكر الإشتراكي (ونحن لا نتكلم طبعا عن أسلوب المصادرة الذي اتبع في الإتحاد السوفياتي والصين الشيوعية)، كما أن معالجة المشاكل الناتجة عن تفتيت الملكية الزراعية لها حلول عديدة ومتباينة، لكل منها أثره العميق على بنية النظام الإقتصادي ككل، وليس على الإقتصاد الزراعي وحده، وأي طرح سياسي لمثل هذه القضية الحاسمة لا يمكنه تجاهل هذه المسائل، مرة أخرى نحن لا نتوقع من السياسي أن يخوض في التفاصيل الفنية، لكن من واجبه أن يحدد الإطار الذي سيحكم هذه التفاصيل، فكما ذكرنا هناك حلول رأسمالية وحلول إشتراكية، وربما أمكننا التفكير في حلول أقرب إلى التوجهات الإسلامية .. الإكتفاء بطرح الفكرة في عجالة وبإختصار يعزز فكرتنا من أن البنا لم يكن يفكر في النظام الإقتصادي بقدر ما كان يعلن إنحياز الحل الإسلامي لصغار الفلاحين.
وكما في قضية الإصلاح الزراعي سنجده في قضية تمصير الشركات الأجنبية، فهو يطالب بإحلال رؤوس الأموال المصرية محل رؤوس الأموال الأجنبية كلما أمكن ذلك [!]، وهذا موقف شديد الغموض، فمداخل التمصير متنوعة، تبدأ من التأميم الكامل الذي ينطوي على تعويضات تدفعها الدولة لتتملك الشركات وتنشئ قطاعا عاما، تديره بنفسها، أو تعيد بيع الأسهم للمصريين بتسهيلات طويلة الأجل تتحمل أعبائها الخزانة العامة لتشجع القطاع الخاص على الإنخراط في عملية التمصير، أو القيام بفرض ضرائب عالية على أرباح الأجانب فتصبح مصر دولة طاردة للإستثمار الأجنبي فيسعى الأجانب بنفسهم لبيع شركاتهم للمصرين بأي طريقة، أما إذا كنا نرى أن إقتصادنا في حاجة لرأس المال الأجنبي لكننا فقط نريد تجنب حصول الإجانب على أوضاع إحتكارية فيمكن عكس الفكرة وإعطاء الأجانب تسهيلات ومزايا ضريبية مع إشتراط أن يكون هناك حد أدنى من رأس المال لابد أن يمتلكها مواطنون مصريون (وهو إختيار محاضر محمد، ضمن حزمة متكاملة من ضوابط تشجيع الإستثمار الأجنبي، وحققت بها ماليزيا نموها الكبير)، وغيرها من الطرق التي يختلف تأثيرها على النظام الإقتصادي وعلى الإستقلال السياسي، ليس هذا مجال شرح هذا الأختلاف، لكن الواضح أن البنا لم يكن منشغلا بالنظام الذي يمكن في إطاره تنفيذ هذا المطلب.
وعندما نجده يطالب يتحريم الربا حالا ندرك أن هذه الفكرة لم يشارك فيها أي متخصص في الإقتصاد، بالذات عندما نراه يستشهد على إمكانيتها بما قام به الشيوعيون في روسيا، ولو كان يعرف أن البلاشفة قاموا بهذه الخطوة لأنهم كانوا يريدون القضاء على الإستثمار الخاص لأدرك أن هذا مثال لا يشهد له .. سنتوسع في مناقشة الحلول الممكنة لمشكلة تفشي المعاملات الربوية والبدائل المتاحة لذلك عندما نصل إلى مناقشة تصوراتنا عن البرنامج الإسلامي.
هذه الملاحظات ليست نقدا لحسن البنا كما أكدنا مرارا، فهو لم يكن بصدد التفكير في النظام البديل، وإنما كان يهدف إلى بيان مخالفة النظام القائم لتعاليم الإسلام، وتأكيد أن هذه التعاليم تحمل حلولا أفض لمشاكلنا، وقد نجح بحمد الله نجاحا كبيرا في تحقيق هدفه، المشكلة أن خلفاءه لم ينتبهوا إلى أهمية التفكير في النظم قبل الإنتقال إلى مرحلة الحكم.
محمد لطفي || lotfy_aly@yshoo.com
يفشل الاسلاميون سياسياً لكنهم لم يأخذوا الفرصة كاملة حتي يمكن ان نقول انهم يفشلون اقتصادياً الاقتصاد يحتاج دائماً الي نظام سياسي داعم لذلك كنا نعتبر مقولة او شعار الاقتصاد اولاً من قبيل المخدرات التي كان يروجها نظام مبارك ليبقي الوضع علي ماهو عليه و لما كان مشروع الاخوان حتي علي عهد الشهيد حسن البنا لم يكتمل في اي مرحله كنظام سياسي فأي فكر اقتصادي لمشروع الاخوان سيكون مجرد اشارات غير واضحه او مكتمله ناهيك عن التطبيق كنظام اقتصادي سيكون ضبابي الي ابعد الحدود مشروع النهضه الذي تبناه حزب الحريه و العداله ابان ثورة يناير كان اقرب التطبيقات لفكر الاخوان فيما بعد عهد الشهيد حسن البنا و كان اقرب للنموذج التركي علي الرغم من انه كان مجرد نموذج نظري لم يختبر تطبيقه لسوء الحظ الله المستعان