منذ 6 سنة | 3409 مشاهدات
يرى البعض – وأنا منهم – أن المأثرة الكبرى لحسن البنا (رض) أنه أخرج معركة الدفاع عن الهوية الإسلامية من مجرد سجال أدبي بين فريقين من المثقفين (التراثيين والمتغربين) لتصبح من هموم المسلم العادي، فقد نجح في صياغة الأزمة التي تواجه الأمة الإسلامية لتصبح مفهومة ومحفزة لكل المستويات الثقافية، وأمكنه تصميم الأطر التي يمكنها تنظيم وحشد الجماهير لكي يغدو الدفاع عن الإسلام مهمة كل الناس .. لذلك كان التواجد الكثيف للإخوان المسلمين في النقابات المهنية دون غيرها من النقابات أو التجمعات الجماهيرية ظاهرة تستحق أن نبحث لها عن تفسير.
لم يكن غريبا أن ينشط الإخوان في النقابات المهنية، فكوادر الإخوان الذين تصدوا للعمل النقابي في الثمانينات هم أنفسهم قيادات العمل الطلابي الإسلامي الذي سيطر على النشاط في الجامعات المصرية وإتحادات طلابها في السبعينات، لكن ما يدعو للدهشة هو غيابهم الكامل تقريبا بين القيادات العمالية البارزة (بإستثناء وحيد عرفته، هو السيد/ على فتح الباب من شركة الحديد والصلب)، وتجلى هذا في مواقف عديدة تحرك فيها العمال والفلاحون دون أن نعرف من قيادات حراكهم من ينتسب إلى الإخوان المسلمين.
هل يمكن أن يعزى ذلك إلى تركيز القبضة الأمنية على الحركة العمالية أكثر من غيرها؟ .. لكننا لمسنا نشاطا لليساريين في أوساط العمال، وفي نفس الوقت لم نسمع عن قمع غير عادي مارسته السلطة على عمال إسلاميين حاولوا أن يتصدوا للعمل النقابي خلال العقود الثلاثة من حكم مبارك.
وفي نفس الوقت يصعب تفسير هذا الوضع بأن التدين يؤثر على المهنيين بدرجة أكبر مما يؤثر على العمال والفلاحين، إن هذا في الواقع عكس المتبادر الملموس، فإن تأثير المثقفين المتغربين يبدو أكثر وضوحا في أوساط المهنيين والطبقة الوسطى بصفة عامة، ولا تجد لهم تأثيرا يذكر في أوساط العمال والفلاحين والطبقات الدنيا في المجتمع .. لماذا إذن؟؟!!
إن الإجابة على هذا السؤال تتخذ أهمية محورية، لأنها ستساهم في الإجابة على السؤال الأهم: لماذا لم يكن تعاطف الجماهير الشعبية مع الحل الإسلامي إلا تعاطفا وجدانيا؟ .. لماذا لم تر هذه الجماهير أن هذا هو الحل الحقيقي لمشاكلهم الحياتية؟ .. ولم تدرك أن إزاحة الإسلاميين عن قيادة المجتمع هو أمر يضرب مصالحهم، وليس فقط مشاعرهم الدينية؟ .. لماذا صدقت أن الصراع بين الإسلاميين وغيرهم هو مجرد صراع على السلطة وليس صراعا بين معسكرين، أحدهما يسعى للنهضة الحقيقية وسيطرة الأمة على مواردها لصالح أبنائها، والآخر يدافع عن التبعية للغرب وإستمرار إستغلال الجماهير وإفقارها لصالح الشركات متعددة الجنسية وعملائها من رجال الأعمال المحليين؟ .. إن هذا الوضع هو الذي مكن الإنقلابيين من تسكين مشاعر التدين بإستخدام ديباجات إسلامية فارغة من أي مضمون إجتماعي أو إقتصادي، دون أن تلاحظ الجماهير أن السياسات التي يتبناها الإنقلاب هي سياسات غير وطنية وليست فقط غير إسلامية (في مجتمع مسلم لا يمكن أن تتعارض الوطنية مع التدين، وأي فصل بينهما سيكون فيه إضرار بكل منهما، لكن هذه قضية أخرى).
الإجابة على هذه التساؤلات مركبة ومتعددة الأبعاد، ويتحمل مفكرو حركة الإحياء الإسلامي النصيب الأوفى من المسئولية عن الغبش الذي يحيط بها .. نسأل الله أن نتمكن من عرض وجهة نظرنا وإبراء ذمتنا، نعم من سُئل، وأكرم من أجاب.