منذ 6 سنة | 3400 مشاهدات
بعض فقهاء السلاطين لا يملكون القدر اللازم من البجاحة كي يزعموا أن معارضي سلطانهم هم خوارج العصر، خاصة عندما يدفع هؤلاء المعارضون التهمة عن أنفسهم، فيقولون أنهم يدفعون الضرائب ويطيعون القوانين ويؤدون الخدمة العسكرية إذا إستدعوا لها، فهم لم يخرجوا من طاعة الدولة، وما يذكرون من أخطاء السلطان، وما يطالبون به من إجراءات للإصلاح، إنما هي من قبيل النصيحة للحاكم وللأمة، فيواجههم فقهاء السلطان بأن النصيحة في العلن هي فضيحة ممنوعة، وليست نصيحة مطلوبة .. يعني لن تجد لك وسيلة لإدانة قمع الحاكم لمعارضية حتى لو إقتصرت المعارضة على مجرد الكلام.
متى تكون النصيحة في العلن فضيحة؟ .. إن هذا يتعلق فقط بشخص يرتكب معصية لكنه يستخفي بها عن الناس، فإذا حدث وعلمت بها بطريقة أو بأخرى فينبغي ألا تنصحه في العلن أمام آخرين، فما دام الرجل يستخفي بها فهو يعلم في قرارة نفسه أنها معصية، فلتقدر لحظة ضعفه، ولتكن نصيحتك دعما له ليتغلب على شيطانه، أما المجاهر بالمعصية الذي لا يبالي ولا يحاول إخفاءها فإن لومه وعتابه علنا لا يهدف فقط لردعه، وإنما هو نوع من الضغط الإجتماعي لمنع الآخرين من الإنسياق خلف أمثاله، فالمجاهر بالمعصية لايفضحه أن تنصحه في العلن، فالكل يعرف ما فعل، ولست أنت الذي فضحته، وإنما هو الذي فضح نفسه.
والحاكم بالذات كل قراراته علنية، تصدر للتنفيذ، ويتأثر بها كل الناس، وليس عدوله عنها قضية شخصيه تتعلق بجزاءه عند ربه لنناقش مسألة أننصحه سرا أم علنا، كما أنه ليس كل أحد يمكنه أن يصل إلى الحاكم سرا، وقد كانت المرأة والعبد ينتقدان عمر بن الخطاب (رض) في سياساته الماليه وآرائه الفقهية وهو على المنبر، ونقلت إلينا هذا الروايات دون أن تذكر أن واحدا من الصحابة الحاضرين، أو أي من الرواة الذين نقلوها، رأى أن في هذا العمل أي خطأ (بل على العكس، يقصون علينا هذه القصص كي نعرف كيف كان رائعا وجميلا مجتمع المسلمين).
ومظالم الحكام ليست معاصي شخصية تتعلق بعلاقة العبد بربه، بل هي أضرار يلحقها الحاكم بأخوة له ولنا، ولهم علينا حقوق، وليست المسألة هي نصح الحاكم لينجو من عذاب الآخرة، وإنما هي أداء حق الله في الدفاع عن المستضعفين، ولا تعلم من أين جاء فقهاء السلاطين بأن المعارض الذي يذكر الحاكم بأن الظلم ظلمات يفضحه .. لقد فضح الرجل نفسه بهذه المظالم، ثم من الذي قال أن نقد الحاكم لا يجوز أن يكون إلا من باب النصيحة كي نناقش الموضوع في إطار أحكامها؟ .. إنه وسيلتنا لإنكار المنكر باللسان، وهو أوسط الإيمان .. محاولة للضغط على الحاكم كي يرتدع، وتعبئة المحكومين حتى يشاركوا في هذا الضغط، وقد أعطى الله للأمة هذا الحق (واستعملته زمن الراشدين)، بل جعله عليها واجبا، حتى لا يقدم الحاكم من أصله على الخطأ .. فضح الحاكم الظالم واجب شرعي (عكس ما يدلس علينا فقهاؤه الملاكي)، لذلك كان الحسن البصري (رض) يجاهر بنقد مظالم الأمويين في دروسه بمسجد البصرة، حتى خاف عليه تلامذته، فحاول بعضهم أن يثنيه عن ذلك زاعما أن نقد الحاكم في غير وجوده هو من الغيبة المحرمة شرعا، رد عليه الحسن (رض) بأنه ليس للفاسق المجاهر بفسقه غيبة، وأي فسق أكبر من ظلم ولاة الأمر؟
فقهاء السلاطين يعملون جاهدين، كما كان دأبهم في كل العصور، على تشويه هدي الإسلام في الحكم ونظام الدولة وممارسة السلطة، لكن أمتنا قد استيقظت، ونسأل الله ألا ينجح هؤلاء العلماء الفسقة في عرقلة مسيرتها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.