بين المعارضة والخروج والخوارج

منذ 5 سنة | 1827 مشاهدات

يريد فقهاء السلطان أن يسبغوا حماية شرعية على سلطانهم عندما يقمع معارضيه، فيصفوهم بأنهم خوارج، ويحلون له دمائهم، والأسوأ أن بعض هؤلاء الفقهاء يتنطع وينسب أقواله لمنهج السلف، وفي هذا المقال سنحاول – يإختصار شديد – أن نعرض كيف ميز الخلفاء الراشدون بين المعارضة، والخروج، والخوارج، والأسلوب الذي إنتهجوه في مواجهة كل صنف من هذه الأصناف.

          المعارض هو الذي يتبنى رأيا يخالف رأي الحاكم ويجاهر به، ويحاول أن يثني الحاكم عن بعض قراراته، والراشدون (رض) لم يبدو أي تأفف من معارضيهم، بل على العكس، تعاملوا مع المعارضة على أنها ظاهرة صحية ودليل على حيوية الأمة، حتى قال الفاروق (رض): الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوم عمر بالسيف إن إعوج .. كانت مناقشة الخليفة ومراجعته في بعض قراراته تواجه بصدر رحب، وتستمر المناقشة حتى يتبين وجه الصواب، وفي النهاية يتم العمل برأي الأغلبية، والأمثلة أكثر من أن تحصى، لعل أشهرها مناقشة أبي بكر مع الذين عارضوا قتال المرتدين (ومنهم عمر)، ومناقشة عمر مع الذين إعترضوا على عدم تقسيم أرض العراق على الفاتحين، وغيرها كثير .. حق المعرضة كان مكفولا على الدوام.

          أما الخروج فهو حمل السلاح لإسقاط الحاكم بالقوة، ويختلط الأمر على الكثيرون في هذه النقطة، فيظنون أن الخروج لا يكون إلا على حاكم غير شرعي، أو حاكم جائر زادت مظالمه عن الحد، أما إذا كان حمل السلاح ضد إمام حق، وصل إلى الحكم بطريقة شرعية ويمارسه بالقسط فالخارجون هنا هم الخوارج .. هذا فهم خاطئ.

          حدثت حركات خروج مسلح كثيرة على حكام جائرين، ولم يذكر هؤلاء الخارجون في تاريخنا إلا بكل إجلال وتقدير، كالحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وزيد بن علي زين العابدين، رضوان الله عليهم، وغيرهم، لكن هناك أيضا من حمل السلاح ضد إمام حق ولم يصنفوا أبدا من الخوارج، كقتال أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير لعلي بن أبي طالب في موقعة الجمل، وقتال معاوية بن أبي سفيان له، رضي الله عن الصحابة أجمعين، وعندما سئل على (رض) عنهم لم يقل أنهم الخوارج الذي أخبر عنهم رسول الله (ص)، بل قال "إخواننا بغوا علينا" .. ومن فقه علي هذا أصبح مجرد الخروج على إمام حق يعد بغيا، والخارجون عليه لأسباب سياسية ليسو خوارج.

          أما الخوارج فقد خرجوا على الأمة الإسلامية نفسها، وكفروا كل من رفض فكرهم، بالإضافة إلى بعض الصفات الأخرى التي جمعت فرقهم المتعددة، كتكفيرهم لمرتكبي المعاصي، وتكفيرهم لكل من لم يكفر من كفروهم، وإقامة حد الردة على كل هؤلاء، بالإضافة إلى أفكار ومبادئ أخرى ستجدها في أي كتاب يتحدث عنهم، وليكن مثلا كتاب الشيخ محمد أبي زهرة "تاريخ المذاهب الفقهية".

          الموقف الشرعي هو أن المعارض ينبغي أن تترك له الفرصة كاملة للتعبير عن رأيه، ولا يعاقب أبدا على رأي قاله، أما الخارجين والخوارج فلا يقاتلون إلا إذا بدأوا القتال فعلا، أو إنحازوا لجهة يعدون العدة للأعمال العسكرية، ولا يتعقب من يفر منهم من الميدان، وإذا أعلنوا رجوعهم للجماعة وتركهم للخروج فيقبل منهم، ولا يعاقب إلا من ثبت عليه أنه بعينه قد إرتكب جريمة محددة، أما مجرد الإنخراط في جيش الخارجين فلا يعاقب عليه إذا إنتهى الخروج، سواء بهزيمة الخارجين، أو برجوعهم عنه.

          يكفي أن نذكر حادئة واحدة، عندما جيء للإمام على (رض) برجل ينتمي للخوارج، أمسكت به الشرطة وساقوه للإمام يقولون له: إنه يتوعدك بالقتل، رد الإمام: أفأقتله ولم يقتلني؟ .. قال الشرطي: وإنه شتمك، قال: فاشتمه إن شئت .. هذا هو فقه الإمام الحق في من تحدث بقتله، فما بالك بمن إعترض على سياساته أو قال أنه يريد أن يغيره ديموقراطيا؟

          المعارض للحاكم لا يوصف بالخروج، مهما أغلظ في نبرة المعارضة، ولا يعاقب عليها بأي عقاب .. لا يوجد للحكام سندا شرعيا في قمع آراء معارضيهم، لكن فقهاء السلاطين ضللوا الأمة على مر العصور، وما زالوا يفعلون .. حسبنا الله ونعم الوكيل.   

شارك المقال