مقايضة الإخوان بالديموقراطية

منذ 5 سنة | 1777 مشاهدات

خلال الأيام القليلة الماضية واصل الدكتور حمزة زوبع عرض موضوع مهم لعدة أيام، وناقشة مناقشة هادئة وموضوعية تستحق الإعجاب، وإنتهى فيه إلى نتائج أتفق مع أغلبها، غير أن لي عليها بعض الإضافات .. سأبدأ أولا بعرض كلامه ثم التعليق عليه.

          عرض الدكتور بعض الشواهد التي لا أرى من المناسب شغل القارئ بتفاصيلها، المهم أنه وصل منها إلى أن النخبة الليبرالية المصرية، تساندها شرائح لها وزنها داخل المؤسسة العسكرية، باتوا يرون أن حلحلة الوضع المتأزم في مصر لا يمكن أن تتم إلا بإنسحاب كلا من الإخوان والجيش من الحياة السياسية، ولعل لدى الدكتور حمزة معلومات أكثر مما عرضه، وعلى أي حال فالفكرة غير مستبعدة، وإن لم تكن قد طرحت فعلا فمن الوارد أن تطرح في المستقبل، ودراستها وإجراء الموازنات السياسية اللازمة لإتخاذ القرار بشأنها هو أمر ضروري.

          وصل زوبع إلى نتيجة قال أنها رأيه الشخصي وليست رأي الإخوان، هذه نقطة فرعية، المهم أني رأيت أنها صواب في الجملة.

          هذه النتيجة هي أنه إذا كان المطلوب هو تعهد الإخوان بالإبتعاد عن العمل السياسي مقابل إنسحاب الجيش وعودة الحياة السياسية المدنية فإن هذا المطلوب يمكن الموافقة عليه، لأنه في صالح الوطن، ولكن يلزم قبل إعلان الموافقة التأكد من نقطتين:

          الأولى: ما هي الضمانات التي يقدمها أصحاب هذا الطرح لتضمن أن يستجيب الجيش إستجابة حقيقية، لا أن يقبع في الظل ويحرك الأمور من وراء الستار.

          الثانية: إذا كان المقصود أن يبتعد تنظيم الإخوان المسلمين عن العمل السياسي ويقصر نشاطه على الدعوة والعمل الخيري فهذا أمر يمكن قبوله طبعا، أما إذا كان المقصود هو منع الإخوان كأفراد من العمل السياسي فهذا أمر فيه نظر.

          هذا هو ما عرضه الدكتور حمزة زوبع، وقد شعرت أنه كان يزن كلماته ويحاول قدر طاقته أن يتحلى بأكبر قدر ممكن من اللباقة حتى لا يستغل كلامه في التنديد بتعنت الإخوان وتسببهم في عرقلة حل الأزمة المصرية، لكني من موقف المستقل أستطيع أن أسترسل بقدر أكبر من الوضوح، فالأمر لا يتعلق بالإخوان وحدهم، ولكن بمستقبل حركة الإحياء الإسلامي نفسها، بل بمستقبل مصر والمنطقة برمتها.

          من الواضح أن المعروض، إن كان ثمة معروض، هو منع العمل السياسي الإسلامي مقابل إنسحاب الجيش من العمل السياسي والإقتصادي، أي إلى وضع يشبه وضع تركيا الكمالية قبل وصول أردوجان للسلطة .. لا أرى في هذا حلا للأزمة الحالية، فالليبراليون المصريون لا يملكون أية قوة شعبية على الأرض يمكنها تحييد قوة الجيش ومنعه من التدخل، ولو كانوا يملكونها لاستندوا إليها عقب الإنقلاب لتعزيز مواقعهم في السلطة، والأرجح أنه لو توقف الإسلاميون عن العمل السياسي (لو كان هذا مقبولا) فسيصبح الليبراليون مجرد دمى في أيدي الجنرالات، ولا تجوز هنا المقارنة مع تركيا الكمالية، فهناك يتمتع الليبراليون بقاعدة شعبية كبيرة وتقاليد ديموقراطية راسخة منعت الجيش من تجاوز حدود التدخل المسموح به دستوريا (وهو حماية العلمانية دون أن يمارس السلطة بنفسه).

          ومن جهة أخرى فإننا ندفن رؤوسنا في الرمال إذا لم نعترف أن مصر الآن غارقة في حالة من التبعية لقوى خارجية تحرص على إستمرار تردي الأوضاع، ولها وكلاء بين من يزعمون أنهم ليبراليون، ترتبط مصالحهم إرتباطا عضويا بالقوى الأجنبية، ولا يمكن أن تنهض مصر من كبوتها إلا إذا تولى القيادة فيها قوة تتمتع بتأييد شعبي قوي لا يمكن توفيره بمعزل عن الإسلاميين .. فإذا أمكن للقوى السياسية المصرية أن تشكل تحالفا ديمقراطيا يتعهد أطرافه (بطريقة يتراضون عليها) بالإلتزام ببرنامج وطني ديموقراطي مشترك، لمدة عشر سنوات مثلا، لا يحاول خلالها أي طرف أن ينفرد بالسلطة عن الآخرين، يتم خلالها إعادة تنظيم الدولة والمجتمع على أسس ديموقراطية وطنية (ليبرالية) مع وجود برنامج إجتماعي واضح محدد، على أن تحول جماعة الإخوان نفسها إلى جماعة للدعوة والعمل الخيري وتتعهد بعدم العودة للعمل السياسي بعد ذلك، وتتركه لأحزاب سياسية، قد يكون لبعضها مرجعية فكرية إسلامية، لكنها لا تتنافس إلا من خلال برامج سياسية واضحة، فإن هذا قد يكون مدخلا جيدا.

          أظن أن جزءا من الليبراليين سيرفض هذا المدخل، وسيكون على الإسلاميين كلهم، وليس الإخوان وحدهم، إعلان أنهم يؤجلون المطالبة بتطبيق الشريعة أو إلغاء كامب ديفيد أو أي مطلب آخر لحين إستعادة الديمقراطية الحقيقية في مصر، من المؤكد أن الشرفاء من كل القوى السياسية الأخرى سيقبلون بالعمل المشترك تحت هذه الراية، أما من يرفض فسيتضح لكل المصريين أنه لا يريد حل الأزمة بقدر ما يريد إستغلالها لتحقيق مكاسب لنفسه على حساب مستقبل الوطن.

          ولله الأمر من قبل ومن بعد.

Generic placeholder image
علي ممدوح || engalimamdouh88@gmail.com

المشكلة أنهم قالوا أن الديمقراطية ليست صندوقا و استدعوا الجيش بانعدام ضمير تجاه الوطن و تجاه الإسلاميين الذين في الحكم وقتها و كتب أحد المشاهير فيهم للأسف كنت أعلم السؤال هنا هل يمكن الوثوق في هذا التيار و أفراده بعد الجريمة التي ارتكبوها في حق هذا الوطن

شارك المقال