7 – هل يغني القرآن عن الدستور؟

منذ 5 سنة | 2120 مشاهدات

يؤمن المسلمون أن القرآن يقدم لهم التصورات الصحيحة عن الوجود والإله والإنسان والحياة والموت وما بعده (ما نسميه العقائد) وقواعد الأخلاق والقيم المعيارية التي تجعل من المجتمعات التي تلتزم بها أفضل التجمعات البشرية، بالإضافة إلى بعض الأحكام التفصيلية في إطار من القواعد والمبادئ العامة الحاكمة لكل جوانب الحياة .. ليست هذه هي القضية، السؤال هو: هل يمكن للمسلمين أن يستغنوا بالقرآن عن وجود دستور مكتوب عندما يقيمون نظامهم السياسي؟

إن شعار "القرآن دستورنا" هو بلا شك شعار محبب وجميل ومثير للعواطف، ولا اعتراض عليه عندما يستخدم بالمعنى المجازي كتعبير عن الهدف الأعلى لحركة إسلامية، ولكن يصعب قبوله عندما يكون الكلام عن الدستور بالمعنى الفني المتعارف عليه لكلمة "الدستور" والتي تعني وثيقة لها مواصفات معينة لتلعب دورا مهما في النظام السياسي .. فكل دولة يجب أن يكون لديها تلك الوثيقة الأعلى من القانون والتي تحدد القواعد التي اختارت الأمة أن تلزم بها القائمين على شئون الحكم وممارسة السلطة وعلاقتهم بباقي الأفراد والجماعات، وينبغي لهذه الوثيقة أن تحدد على الأخص الصلاحيات الممنوحة لكل سلطة من سلطات الدولة، وحدود هذه الصلاحيات، والعلاقات المتبادلة بين هذه السلطات وبعضها، والضمانات التي للأفراد في مواجهة إنحراف أحد هذه السلطات أو تجاوزها لصلاحياتها .. إلخ، وأغلب المبادئ الواردة في القرآن الكريم في هذه المسائل ورت بصيغ العموم لتناسب مختلف العصور، وهي لذلك تتطلب الاتفاق على تفاصيل كثيرة اختلف بشأنها المجتهدون.

                   خذ مثلا المبدأ الذي قدمه لنا القرآن لنسبق به الفكر الإنساني بحوالي ألف سنة "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا" النساء: 59، هذا المبدأ يعطي للأمة حق الإختلاف مع الحكام ومنازعتهم في أوامرهم، ويكون حسم النزاع بالإحتكام ألى الكتاب والسنة، ولكن المجتهدون إختلفوا في الطريقة التي يكتسب بها المرء صفة ولي الأمر الشرعي الذي تجب له الطاعة (ليس منها حكاية الأمير المتغلب، فالقبول بوجوده له حكم الضرورة،  تجوز طاعته، ولا يجرم الخروج عليه، ولا تجب نصرته)، وسيكون علينا أن نختار من اجتهاداتهم ما نضعه في الدستور، كما ترك القرآن تفاصيل أخرى لتقررها الأمة حسب ما تراه من مصالح تتغير من عصر لآخر، فمن الذي يمثل الأمة في هذا النزاع، وما هي آلية إدارته، ومن الذي سيقرر حكم الكتاب والسنة في هذا الموضوع، وغيرها.

وكثير من القواعد الدستورية تتقرر حسب المصلحة الموافقة لظروف العصر والمصر، فمن الذي سيقرر ما هي المصالح التي يجب مراعاتها ثم يختار الطريقة التي ستراعى بها؟ .. والأمثلة كثيرة، تتراوح بين مبادئ إختلف المجتهدون في فهمها وفي حدود تطبيقها، ومصالح ظرفية لا يرد في القرآن عنها إلا عموميات نسترشد بها وترك لنا التعرف على وسيلة تحقيق هذه المصلحة في هذا الظرف.

والخلاصة هي أن القرآن يحكم المسلم في حياته الشخصية وعلاقاته الإجتماعية، لكن النظام السياسي لابد له من وثيقة دستورية تكتسب قوتها الإلزامية من موافقة أغلبية الشعب.

          والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

شارك المقال