منذ 7 سنة | 3059 مشاهدات
عرضنا في المقالات السابقة نماذج من المحاولات الإسلاميك لإفساد المرحلة الأولى من مراحل البحث العلمي في الشريعة الإسلامية، وهي مرحلة جمع النصوص والتثبت من صحتها (والتي نسميها في منهج البحث العلمي مرحلة رصد الوقائع العلمية)، ثم هم يحاولون إفساد المرحلة الثانية، مرحلة فهم النصوص (المقابلة لمرحلة تفسير الوقائع العلمية)، وقد بدأوا بإفسادها منذ عملوا على استبعاد السنة أو معظم نصوصها، وأي باحث أكاديمي يعرف تماما أنه لو استبعد بعضا من الوقائع المتصلة بالموضوع فإن النتائج التي يصل إليها ستكون بعيدة عن الصحة، ولن يقبل بحثة .. وعندما يصلون إلى عرض فهمهم للنصوص التي وقع عليها اختيارهم يعمدون إلى تضليل المستمع بطرق مختلفة، فهم أولا يحاولون فهم آية واحدة دون الرجوع إلى باقي آيات القرآن، وثانيا يعرضون عن نهج الرسول (ص) في فهم القرآن ويلجأون إلى طرق ملتوية في التفسير، وثالثا يعبثون بقواعد اللغة العربية ومعجمها ليصلوا إلى معان لا تقبلها اللغة.
ولنبدأ بعزل الآيات ومحاولة فهمها كأنها نزلت مستقلة.
تسمع لمفكر إسلاميك يقول في أحد البرامج أن الأمر باجتناب الخمر في الآية يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" المائدة: 90 ليست للتحريم، فالاجتناب أقل من التحريم، فيسأله المذيع بتعجب (أظنه مصطنع): ولكنهم يقولون أن الاجتناب أشد من التحريم، فيرد الإسلاميك: القرآن يقول حرمت عليكم أمهاتكم، فهل ترى أن شرب الخمر أشد تحريما من زواج الأمهات؟ .. وهكذا يتم حسم الأمر في هدوء وينتقلان إلى موضوع آخر، ولم يجد الرجل من يسأله: هل ترى أن الأمر باجتناب الأوثان في قوله تعالى: ,, واجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور .." الحج: 30 لا يعني أن الأوثان حرام؟!! ولم يجد من يشرح له أن الفرق بين الاجتناب والتحريم ليس في شدة النهي ولكن في نطاق هذا النهي، فاجتناب الخمر والأوثان يعني الابتعاد عن كل ما يتعلق بها، عن قربها أو صناعتها أو بيعها أو شرائها أو نقلها .. إلخ، وليس فقط عدم عبادتها وعدم شربها، ولو قال الحق سبحانه وتعالى إجتنبوا أمهاتكم لعاش المجتمع في ورطة كبيرة .. على أية حال ليست هذه حالة فريدة، فقد هجموا علينا في الآونة الأخيرة بفيضان من هذه الترهات
لا شك عندي في أن أغلب هؤلاء الإسلاميك يعرفون بالتأكيد (ولكنهم يستهبلون) أن فهم موضوع أي آية لابد له من مقابلة كل الآيات التي تتناول هذا الموضوع، فالحكم قد يرد في آية بصيغة الإطلاق، مثل تحريم الدم في الآية: "حرمت عليكم الميتة والدم .." المائدة: 3، مما يفهم منه أن أكل أي دم حرام، لكن آية أخرى في سورة أخرى تقول: قل لا أجد في ما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا .." آل عمران: 145، وبذلك قيدت التحريم بالدم المسفوح، ليخرج منه الكبد والطحال، أو قد يأتي الحكم بلفظ يفيد العموم "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء .." البقرة: 138 الذي يعمم الحكم بأن كل مطلقة تعتد ثلاثة قروء، ثم نجد آية أخرى تخصص بعض المطلقات بحكم آخر "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم النساء ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما عليهن من عدة تعتدونها" الأحزاب: 49، كما يجب الرجوع إلى كل الآيات التي وردت فيها الألفاظ التي صيغ بها حكم الموضوع، فللقرآن عرفه الذي خصص به استخدام بعض الألفاظ العربية بحيث لم يعد من الجائز أن تفهم بمعناها المعجمي كما كان يستخدمها العرب زمن التنزيل، ولكن بمعناها الاصطلاحي الذي أعطاه القرآن لها (من الأمثلة المشهورة: الصلاة – الزكاة – الفسق .. وغيرها)، ثم أن القرآن لابد لفهمه من إدراك لمواضع الإضمار والحذف والتقديم والتأخير وغير ها من الأساليب البيانية المعجزة التي تحتاج إلى سليقة عربية سليمة، أو إلى الرجوع إلى كتب المفسرين، حتى يمكن معرفة معناها الذي قصد إليه القرآن.
إن أغلب أخطاء هؤلاء الإسلاميك تنتج عن ضعف علاقتهم بالقرآن، إن كانت لهم به علاقة من الأصل، لكن بعضهم يعرفونه جيدا، لكنهم يستهبلون على الحقيقة لا على المجاز.