حكاية عدنان إبراهيم

منذ 5 سنة | 1821 مشاهدات

منذ عدة سنوات إلتقيت بواحد من فيديوهات الدكتور عدنان إبراهيم بالصدفة، كان يتحدث عن دلالات ميكانيكا الكم على وجود الله، عرض بسيط وواضح رغم صعوبة الأفكار، وإستدلال موفق، ولغة جميلة، أعجبني الفيديو وشرعت في متابعة الرجل، شاهدت عدة فيديوهات جيدة في مواضيع عامة، ثم وجدت واحدا عن معاوية بن أبي سفيان (رض)، بعد دقائق قليلة إتضح أنه يهاجم الصحابي هجوما عنيفا، لم أكمل المشاهدة، فأنا لا أحب هذه الطريقة، ليس لأني أرفض إنتقاد الصحابة، فهم بشر يصيبون ويخطئون، على الأخص عندما يتخذون قرارات تتعلق بقضايا الحكم والسياسة، لكني أنزعج من الهجوم الذي يصل إلى التجريح الشخصي، بالذات وأنا أعلم أن سيرة معاوية (رض) تعرضت لكثير من التشويه على يد الشيعة والعباسيين في آن معا، وأنا أرى أن معاوية بن أبي سفيان هو الذي وضع الأسس الراسخة التي قامت عليها دولة الإسلام الممتدة، والتي لولاها لما أمكن إدارة هذه الدولة مترامية الأطراف، وهو فضل لا يمكن إنكاره، أما تحويله الحكم إلى ملكية وراثية، رغم أننا لا نقبله ونرى أنه يخالف ما نفهمه من مبادئ الإسلام، فلن نجده بتلك البشاعة إذا وضعناه على خلفية ظروف العصر وصراعاته ومشاكله، وما زلنا حتى الآن نجد دولا راقية تتمسك بالنظام الملكي لظروف معينة، ربما كنا نفضل لو لجأ معاوية (رض) لطريقة أخرى، لكن ما فعله "قد" يكون إجتهادا، وليس مجرد شهوة سلطة، سنظل ننتقد ما قام به لكنها ليست جريمة تسقط إعتباره كصحابي، وتبيح لنا تصيد الإتهامات بأوهى الأدلة (موضوع نشأة الملكية الوراثية تحت مسمى الخلافة مسألة تحتاج لبحث مطول ليس هذا مكانه) .. لم أرتح لخوض عدنان إبراهيم في هذا الموضوع بتلك الطريقة، ولكن العقاد فعلها من قبل، ولن تجعلني هذه الفعلة أرفض الرجل بالكلية.

          ثم إصطدمت بفيديو آخر يحمل عنوان "مشكلتي مع البخاري" .. راودتني فكرة أنه يتكلم عن بخاري آخر وما العنوان إلا على سبيل "جر الرجل"، لكني وجدته يتحدث فعلا عن محمد بن إسماعيل أمير المؤمنين في الحديث، هذه المرة إستمعت للفيديو بالكامل، إنه يرى أن بعض أحاديث البخاري لا ترقى إلى مستوى الصحيح .. حسنا .. ما المشكلة في ذلك؟ .. هذا كلام سبق أن قاله بعض علماء السلف، ورد عليهم آخرون مفندين إعتراضاتهم، وهو أمر يتطلب الفصل فيه إلماما عاليا بعلوم الحديث لا يملكه إلا المتخصصين، ثم أن الكتاب إسمه صحيح البخاري وليس قطعي البخاري، وقد أجمعت الأمة على أنه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، ومع النقد والرد على النقد ظل الجميع يعترفون بأنه أصح من كل ما عداه، وبالنسبة لعوام المسلمين فليس فيه حديث قيل أنه موضوع أو مكذوب، فلا خوف علينا إذن، أما المجتهدون الذين تهمهم درجات الصحة ليرجحوا حديث على آخر عند الإستنباط فهم يعرفون كل ما قيل ويأخذونه في الإعتبار، فما هي مشكلة عدنان إبراهيم؟ لم أفهم .. والله لم أفهم .. لماذا تشغل عوام المسلمين بهذا الموضوع؟ ما الفائدة وما المبرر؟ .. أهو محض التعالم وحب الظهور؟

          ثم وجدت له سلسلة بعنوان "نظرية التطور"، والرجل دارس للطب والفلسفة والعلوم الشرعية، لابد أن يكون لكلامه قيمة إذن .. فيديوهات طويلة (يقترب الواحد من ساعة)، خصص أول ثلاث منها لتقريظ تشارلز دارون ودأبه وذكائه ونشاطه [!!] .. المهم بدأ بعدها في عرض أدلة الداروينية دون أي تفنيد لها .. عجيب .. قال أنه سيعرض ما يقوله الدراونة بطريقتهم ثم يرد عليه في النهاية، ليست هذه طريقة جيدة، ثم لماذا يقدمها بصيغة الجزم كأنه يراها صحيحة؟ لماذا لا يستخدم صيغ التمريض، كأن يقول "زعموا" أو "ظنوا" أو "إفترضوا" .. إلخ، لماذا يعرضها كأنها أدلة منتجة (وهي ليست كذلك)؟ .. ساعات بعد ساعات وأنا أنتظر الرد والتفنيد، حتى وصلنا إلى الكلام عن وجود عيوب في تصميم جسم الإنسان .. يا للهول .. عيوب؟ .. ألا تعرف من الذي وضع تصميم هذا الجسم؟ .. وتعرضها بدون تفنيد؟ .. زعم أن التفنيد في النهاية، لكنه توقف بعد أن إنتهى من كلام الدراونة ولم يصل إلى التفنيد .. إنشغل .. وعندما يجد فراغا سيعود للموضوع, مضى أكثر من عامين ولم يعد .. طف الكيل.

          شخصيا لست ضد البحث العلمي في موضوع التطور، وإذا وصلت الأبحاث إلى معرفية علمية موضوعية تثبت أن كل جنس راق قد تم خلقه بإدخال بعض العديلات على جنس أدنى فلن يتعارض هذا مع أي نص من نصوص الإسلام .. إذا وصلوا إلى نظرية إتبعوا فيها أصول البحث العلمي ووجدوا لها شواهد تثبت ما يقولون فسنكون على إستعداد لفحصها وقبولها إذا أقرها أهل الإختصاص من علماء الأحياء والوراثة، لكن الداروينية بالذات ليست نظرية علمية، وليست لديهم أية شواهد تجعلها فرضية جديرة بالإعتبار، وقد تم دحضها فعلا، ولا يتمسك بها الدراونة إلا لأنها الوسيلة الوحيدة التي يملكها الملحدون لتحدي التفسير بالخلق الإلهي .. لقد أخطأ عدنان إبراهيم خطأ كبيرا، ليس في حق الإسلام والألوهية فقط، بل في حق العلم والحقيقة.

          أما عندما بدأ في عرض أفكاره السياسية فلم يترك مجالا لأي تأويل .. هذا الرجل لا يتكلم من داخل المنهجية الإسلامية، وإن كان ملما بالفكر الإسلامي ويعرفه جيدا (كأي مستشرق عتيد) .. وللكلام بقية.

شارك المقال