دار الحرب ودار السلم

منذ 6 سنة | 1947 مشاهدات

من الفقهاء من قال أن العالم ينقسم إلى دارين: دار السلم، وهي التي تقام فيها أحكام الإسلام، ودار الحرب، وهي التي لا تقام فيها أحكام الإسلام، ويجوز للمسلمين أن يعقدوا معاهدات سلم مؤقتة مع أهل الحرب لظروف معينة، وينقضي السلم بانتهاء الأجل، فالأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هي الحرب، لكن هذا ليس رأي جمهور الفقهاء، وهو قطعا ليس رأي ابن تيمية.

          ينطلق ابن تيمية في بيانه لأصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم من النقطة التي أوضحناها في المقال السابق، وهي أن علة القتال هو عدوان الآخرين وليس كفرهم، فيصل دون عناء إلى أن الأصل حينئذ يكون هو السلم لا الحرب، فيقول في رسالته عن القتال: "وهذا باب الأصل فيه الذي قاله الجمهور، وهو أن القتال لأجل الحرب [منهم]، فكل من سالم ولم يحارب لا يقاتل، سواء كان كتابيا أم كان مشركا".

          وهو لا يتوقف كثيرا عند العهود المؤقتة بمدة زمنية محدودة، فهي جائزة باتفاق جميع المسلمين، لأن الرسول (ص) عقدها مع مشركي مكة في الحديبية، أما المعاهدات والعقود المطلقة، أو الدائمة غير محددة المدة، فهو يوافق جمهور الفقهاء على جوازها، فنحن على أي حال لن نبدأ من يسالمنا بقتال، فالعهود المطلقة أذن هي لتأكيد نية الآخرين والتزامهم بالسلم، وهو يرى أن هذه العقود ليست ملزمة للمسلمين ويمكنهم التحلل منها، لقوله تعالى: "وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء .." الأنفال: 58، ولكن هذا لا يعني بأي حال أن نبدأهم بالعدوان .. وللحق فإني قد أشكل علي فهم ما قصده من إمكانية نبذ عهد السلم بشرط ألا نبدأ بالقتال، فمن تحصيل الحاصل القول بأنهم إن بدأونا فقد نقضوا العهد وحل قتالهم، ويبدو أنه يقصد أن نوقف العمل ببنود العقد المتعلقة بحرية التنقل والتجارة وما شابهها .. على أي حال فإن الأمر المؤكد هو أن ابن تيمية يصر على أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي السلم، ولا تتغير هذه العلاقة إلا إذا بدأوا هم بالعدوان، فهو يذكر في رسالة لملك قبرص المسيحي (كانت قبرص غالبا هي المحطة الأخير للحملات الصليبية قبل نزولها إلى الأراضي الإسلامية، لكن هذه الرسالة بعد عدة عقود من انتهائها): "نحن قوم نحب الخير لكل أحد، ونحب أن يجمع الله لكم خير الدنيا والآخرة".

شارك المقال