إن الله لا يحب المعتدين

منذ 6 سنة | 1836 مشاهدات

يتبنى عدد من الجماعات الجهادية فكرة أن العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين هي علاقة حرب في الأساس، فنحن نقاتلهم بسبب كفرهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، صحيح أن هذا رأي موجود فعلا، لكنه ليس رأي جمهور الفقهاء، وصحيح أيضا أن المودودي وسيد قطب رحمهما الله يتبنيان رأيا حديثا يقترب من هذا الرأي، وهو أننا لا نكره الناس على الإسلام، ولكن الأنظمة الطاغوتية (وكل الأنظمة التي تقيمها الشعوب غير المسلمة هي عندهما أنظمة طاغوتية) تكره الناس على عدم قبول الإسلام، وبناء عليه فمن واجب المسلمين – عندهما – قتال هذه الأنظمة وإسقاطها حتى يكون الناس أحرارا يقبلون الإسلام أو يرفضونه دون ضغط أو إكراه، ومن أفضل ما يمكن قراءته لدحض وتفنيد هذه الفكرة الأخيرة هو كتاب متوسط الحجم كبير القيمة لكاتبنا الراحل الكبير محمد جلال كشك رحمه الله بعنوان "الجهاد والأقليات والأناجيل" .. لكن العجيب أن تجد كثير من الناس، ومنهم مثقفون إسلاميون، ينسبون لابن تيمية بالذات أنه يقول بوجوب قتال غير المسلمين .. من أين جاءوا بهذا الكلام؟ .. لا يمكن أن تجد في كتب ابن تيمية أو فتاويه ما يؤيد ذلك، بل على العكس، فإن له رسالة في القتال يؤيد فيها رأي الجمهور ويدافع عنه ويحمل على من خالفه.

          ويسوق رضي الله عنه الأدلة من القرآن لتأييد رأي الجمهور، مثل الآيات: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم، والفتنة أشد من القتل، ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم، كذلك جزاء الكافرين * فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم * وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين * الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين" البقرة: 190-194، وينتهي بعد شرح مفصل إلى أن هذه الآيات تشير بنصها ومعناها إلى أن سبب القتال هو وقوع العدوان منهم، وأن غاية القتال هي منع الفتنة، فينتهي القتال بانتهائها، ويرد على من ادعى نسخ هذه الآية، ويسوق كل حججهم، ويفندها قولا قولا، وينتهي إلى: "أن دعوى النسخ تحتاج إلى دليل، وليس في القرآن ما يناقض هذه الآيات، بل فيه ما يوافقها، فأين الناسخ؟"، ويستغرب بشدة كيف ينسخ النهي عن الاعتداء، فيقول: "إن الاعتداء هو الظلم، والله لا يبيح الظلم قط".

          ويستدل من القرأن أيضا على أن القتال لا يكون إلا لدفع العدوان بقوله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي .." البقرة: 256، ويقول أن هذا نص عام، ولو كنا نقاتلهم لأنهم كفار لكان في هذا إكراه لهم على الإسلام، ويرد على من قال أن هذه الآية منسوخة ردا عنيفا، فيقول: "جمهور السلف على أنها ليست مخصوصة ولا منسوخة .. وإنما نقاتل من حاربنا، فإن أسلم عصم دمه وماله".

          ويستدل من السنة بالعديد من الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم في مغازيه وفي وصاياه لقادة السرايا، وينتهي إلى النتيجة التالية: "كانت سيرته (ص) أن كل من هادنه من الكفار لم يقاتله، وهذه كتب السيرة والحديث والتفسير والفقه والمغازي تنطق بهذا، وهذا متواتر من سيرته عليه السلام، فهو لم يبدأ أحدا بقتال".

          هذا رأيه رضي الله عنه واضحا جليا يوافق جمهور فقهاء أهل السنة، نحن لا نقاتلهم لكفرهم وإنما نقاتلهم لعدوانهم، فليبحثوا لهم عن مرجعية أخرى لفكرهم لدى غيره.

شارك المقال