منذ 7 سنة | 3658 مشاهدات
إبن تيمية هو واحد من علماء المسلمين الأفذاذ المعدودين في التاريخ الإسلامي، ولد عام 661 ه وتوفي عام 728 ه، ومنذ بدأ نشاطه العلمي أثار خلافا شديدا لم ينقطع حول أفكاره، بين متطرف في مناصرته، ومتطرف في خصومته، سجن في القاهرة لمدة سنة، ونفي منها إلى الإسكندرية لمدة سبعة أشهر، وفي النهاية توفي رضي الله عنه في محبسه بدمشق بعد أن قضى فيه 15 شهرا، وبالإضافة إلى نبوغه العلمي ومواقفه الفكرية المستقلة فقد كان القائد السياسي الذي التفت حوله الجماهير عندما حاصر التتار دمشق وفر منها قياداتها السياسية والعلمية، وشارك بنفسه في المعارك العسكرية عندما جاء وقتها، ثم قاد تعد تحقيق النصر فرقا من المتطوعين لتطهير المناطق الجبلية من هؤلاء الذين أعانوا التتار في زمن الحرب، وعندما استتبت الأوضاع عاد إلى التفرغ للعلم، دارسا ومدرسا وفقيها ومفتيا، ولم يتول في حياته كلها منصبا رسميا أبدا .. جاهد بعقله وقلمه وسيفه حسبة لوجه الله، وكفى بالله حسيبا.
وهو متهم في زماننا هذا بأنه الرائد الأول لمدرسة التطرف والتشدد المتصلب والعداء للآخر، المسلم وغير المسلم، وأن آراءه هي المرجعية الفكرية لكل حركات "الإرهاب الإسلامي"، يقرن اسمه غالبا بضيق الأفق وقصر النظر، وعلى الأخص: أنه المؤسس الأول لما يطلق عليه "الوهابية".
سنحاول بإذن الله في هذه المجموعة من المقالات أن نعرض المحاور الأساسية لفكر ابن تيمية في الموضوعات المثارة في الزمن المعاصر من قبل خصوم الحركة الإسلامية، لنبرهن أولا على أن هذا العالم الفذ الذي استحق عن جدارة لقب "شيخ الإسلام" كان مفكرا عقلانيا موضوعيا ومتسامحا على الأغلب، وأنه ممثل ممتاز للفكر الإسلامي المستنير في طريقة تفكيره، مع أنه التزم بمنهج السلف الذي لا يخرج عن اتباع الكتاب والسنة قيد أنملة، ولم يبتعد عن ما قررته مذاهب أهل السنة والجماعة إلا في بعض قضايا الفروع، وثانيا على أن أفكارنا التي نطرحها الآن ليست تجديدا متأثرا بالوافد الغربي، وإنما هي إحياء لتراثنا الفكري الراقي والعظيم، وما لنا إلا صياغتها بالإسلوب الذي يألفه أبنا عصرنا، وثالثا على أن الذين يسمون أنفسهم "سلفيين"، وهم أحرار في تسمية أنفسهم بالإسم الذي يختارونه لأنفسهم، ليسوا في الواقع أتباعا لابن تيمية، وهو غير مسئول عن ما يذهبون إليه، وهذا ليس حكما عليهم بالخطأ أو الصواب، إنه مجرد تقرير واقع .. هذه ليست أفكار ابن تيمية.
ربما نختلف مع بعض آراء لابن تيمية، خاصة في علم الكلام، وهي مما لا يقدم ولا يؤخر في مسيرة العمل الإسلامي، لكن ما لا شك فيه هو أن تراث هذا العبقري يمثل دعما هائلا لمن يعمل على بناء منظومة فكرية إسلامية معاصرة تقود عملية بناء مجتمع مسلم حديث ومنفتح – على الأخص منفتح – على كل ثقافات العالم وشعوبه.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك غفور رحيم.