بلاها سنة

منذ 6 سنة | 1852 مشاهدات

الدعوة إلى نبذ السنة والاكتفاء بالقرآن لمعرفة تعاليم الإسلام وأحكامه ليست جديدة، وقد تصدى لدحضها علماء أفذاذ منذ القرن الثاني الهجري، لعل أبرزهم هو الإمام الشافعي (رض) عندما وضع أصول مذهبه، ثم أصبح ذلك بابا من أبواب علم أصول الفقه في كل المذاهب، يثبت حجية السنة ووجوب الأخذ بالأحاديث الصحيحة عند استنباط الأحكام، وقد استدلوا بآيات كثيرة تنص على أن بيان القرآن هو وظيفة رسول الله (ص)، مثل: ".. وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون" النحل: 44، وحقيقة أن هناك أوامر وردت في القرآن لا يمكننا القيام بها إلا إذا أخذنا تفاصيلها من السنة، كالصلاة، التي لا نعرف من القرآن كيفية أدائها ولا عدد الركعات في كل صلاة وما هي الأركان التي لو تركنا واحدا منهل بطلت الركعة أو بطلت الصلاة كلها، وغيرها، لذلك فعندما ظهرت في العقود الأخيرة دعوة من سموا أنفسهم ب"القرآنيين" تدعو للإكتفاء بالقرآن لم يلتفت إليها أحد .. لن يستطيع مفكرونا الإسلاميك إذن أن يتبنوتا نفس الدعوة، فقد أصبحت محروقة، لكنهم اخترعوا ألاعيب جديدة ليستبعدوا نصوص السنة عند البحث في الشريعة.

          واحدة من هذه الألاعيب هي تلك الافتكاسة التي خرج بها علينا الدكتور سعد الدين الهلالي، وهي ضرورة التفرقة بين "السنة" و"المرويات"، ويضع سيادته تعريفا للسنة لم يسبقه إليه أحد،  السنة عندة هي ما فعله الرسول (ص) أمام كل الناس، فتعلمها منه مباشرة كل الناس ونقلوه لبعض، ويسألك: كيف تعلمت الصلاة؟ ويجيب عنك: من "بابا وماما"، وهما تعلماها بدورهما من "بابا وماما"، أما المرويات فهي حديث الرسول (ص) مع "المثقفين" من الصحابة [!!!] .. طيب الأحكام التي وردت في حجة الوداع (ولا يعرفها بابا وماما) أمام أكثر من مائة ألف مسلم، هل هي من السنة أم مجرد مرويات؟ .. وخطبه (ص) في الجمع والأعياد والغزوات أمام آلاف من الصحابة، والتي لا نجدها إلا في كتب المرويات لأن بابا وماما لا يستطيعون حفظها، هل هي من السنة التي تؤخذ منها الأحكام أم من المرويات؟ .. ما هذا الهراء؟ .. لو لم نأخذ من المرويات أن هناك نصابا للمسروق لا يقام الحد فيما هو دونه لقطعنا يد من سرق ثمرة تفاح (كما ظهر في فيلم الكارتون "علاء الدين") إمتثالا للأمر القرآني "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" المائدة: 38، ولما عرفنا نصاب الزكاة في كل نوع من أنواع الأموال، ولما علمنا أصلا ما هي الأموال التي تجب فيها الزكاة، ولما عرفنا مناسك الحج، وغيرها مما لايحصى من تفصيل ما أجمله القرآن، وهي تفاصيل لا يجديك لمعرفتها أن تسأل بابا وماما وجدو وعمو وخالو وخالتو، فهي ليست من العلم الذي يعرفه كل أحد، بحيث لا نحتاج إلى الرجوع لكتب المرويات لنعرفها .. هذا كلام لا يجوز أن يصدر عن طالب في الثانوية الأزهرية، لا عن أستاذ ورئيس قسم.

          حسنا .. ما هو الفرق بين السنة والمرويات؟ .. يخبرنا الدكتور أن السنة (وفقا لتعريفه بالطبع) واجبة الاتباع قطعا، أما المرويات فهي كتب وضعت في القرن الثالث الهجري ولها شأن آخر .. ولا يقول لنا ما هو هذا الشأن الآخر، لكن أي واحد سيفهم بمفهوم المخالفة أنها غير واجبة الاتباع .. هل لاحظت ألاعيب الحواة؟ .. يزعم لك أنه يحتفظ بالسنة، لكنه بخفة يد يستبعد كتبها.

          سنوضح في المقال القادم بإذن الله تدليس الدكتور الهلالي بشأن تاريخ كتابة السنة.

شارك المقال