رصد الوقائع الإسلامية

منذ 6 سنة | 1890 مشاهدات

البحث عن الحقيقة – أي البحث العلمي – في أي مجال ينبغي أن يبدأ من الوقائع، وأي بداية أخرى لن تقود إلا إلى تأملات فلسفية وتهويمات فكرية، وليس لدينا من وقائع لنبدأ منها البحث عن مراد الله، الذي تروم معرفته كل الأبحاث الشرعية، إلا نصوص الوحي: الكتاب والسنة الصحيحة، والمسلمون لا يتلقون عن ربهم الأحكام العملية وطرق أداء مناسكهم وحسب، إنما يتلقون أيضا عقائدهم ومعاييرهم القيمية، أي تصوراتهم عن طبيعة الوجود والحياة والهدف من وجودهم على هذه الأرض، والمعايير التي يحكمون بها على الأمور التي تصادفهم، أي الحق والباطل، والظلم والعدل، والخير والشر .. إلخ، والتفكير في هذه المسائل كلها يجب أن تأتي مقدماته من نصوص الوحي، وإذا بدأت البحث بمقدمات جئت بها من أي مكان آخر فمعنى ذلك أنك تضع عقلك في الصدارة وتريد أن تقترح على الله ما الذي ينبغي عليه أن يريده من خلقه.

          مهمتنا في هذا المقال هي فحص ما إذا كان مرور الزمن أو تراكم المعرفة قد أمدانا بوسائل أفضل لرصد عدد أكبر من النصوص، أو بطرق أوثق للتثبت من صحة نقلها عن رسول الله (ص)، الإنسان الوحيد الذي يعتقد المسلمون أنه مخول بالنقل عن الله سبحانه وتعالى.

          والقرآن قطعي الثبوت، يؤمن كل مسلم أنه بنصه هو ما أملاه الرسول (ص) على كتبة الوحي، وجمعته في زمن أبي بكر (رض)، بعد عام واحد من انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى، لجنة مكونة من أكثر الصحابة حفظا وتثبتا وورعا، ثم نسخت منه نفس اللجنة ستة نسخ في زمن عثمان (رض)، ما زالت واحدة من هذه النسخ محفوظة في متحف قوبكابي في استانبول، ولا يوجد الآن من يشكك على أي أسس جدية في أن المصاحف التي بين أيدينا تحوي نص ما أملاه محمد بن عبد الله (ص) في القرن السابع الهجري على صحابته، أما من يشكك في أن هذا الكتاب هو من تأليف محمد وليس كلام الله فقد خرج من الإسلام، ولا يحق له أن يتطلع إلى مشاركتنا في البحث عن ما أمرنا به ربنا، والمناقشة الوحيدة التي يمكن أن ندخل معه فيها هي إثبات نبوة محمد (ص)، ويمكنك مراجعة الباب الثالث من كتابنا "خواطر ماركسي سابق" لتجد بعض ما حاولنا المساهمة بة في هذا النوع من المناقشة.

          لا أثر إذن للتراكم المعرفي في رصد آيات القرآن والتثبت من صحتها، ونحن والسلف نقف من هذه المسألة على سواء.

          والسنة هي ما نقل إلينا من حديث رسول الله (ص)، أو فعله، أو تقريره لقول أو فعل بعض الصحابة، وكل ما صح نقله يعد حجة على المسلمين في الأحكام العملية، أي في استنباط الأحكام الفقهية، وبعض العلماء يرى أن المتواتر والمشهور منها هو وحده الذي يحتج به في العقائد، وآخرون يرون أن كل ما صح عن الرسول يحتج به في كل المباحث الشرعية، وهو خلاف لا علاقة له بموضوعنا.

          يطنطن المفكرون الإسلاميك (هؤلاء العالمانيون الذين يصفهم إعلامنا بأنهم مفكرون إسلاميون) بالتشكيك في أهمية الرجوع إلى كتب الصحاح (الكتب التي اقتصر مؤلفوها على إدراج الأحاديث الصحيحة فقط، وأكثرها قبولا وقوة هم الكتب الستة، سنعرض لها عند الكلام عن الاحتجاج بالسنة) بدعوى أنها كتبت في القرن الثالث الهجري، والزمن الذي يفصل بينها وبين الرسول (ص) يكفي، من وجهة نظرهم، لإضعاف الثقة فيها، ولما كنا في هذه المرحلة لسنا في معرض الكلام عن حجية ما ورد في هذه الكتب، فيمكننا إذن أن نستخدم حجتهم ضدهم، فنقول أن الزمن الذي يفصل بيننا الآن وبين وفاة الرسول هو أكبر من سبعة أمثال الزمن الذي يفصل البخاري عنها، وبناء عليه فلابد أن أي كلام يقوله المعاصرون في صحة أو ثبوت السنة هو أضعف بما لا يقارن .. لا يمكن لأي عالم معاصر أن يكتشف حديثا لم يعرفه السابقون (أين سيكتشف؟)، أو أن يمتلك أداة لم تكن عند السلف تمكنه من رفع درجة حديث ما من الضعف إلى الصحة ..

الزمن لا يقدم إذن أية مساعدة في رصد وقائع جديدة في السنة.

أما محاولتهم للتشكيك في صحة ما ثبت للسلف صحته، ورغبتهم في عدم الاحتجاج بكتب الصحاح الستة، فإنها محاولة لاستبعاد بعض الوقائع التي نعتمد نحن عليها، وسنؤجل الكلام في هذه القضية إلى المرحلة الثالثة، مرحلة الاستنباط الفقه، المهم أننا وصلنا إلى أن المعاصرين لا يمكنهم أبدا أن يجدوا قائع للبحث لم تكن متاحة لسلفنا الأجلاء.  

شارك المقال