منذ 7 سنة | 3509 مشاهدات
أجدني مضطرا للتوقف قليلا عن الحديث عن فنكوش التراكم المعرفي لأتحدث عن فنكوش آخر، هو مطالبة الأستاذ حمدين صباحي للتيار المدني (الإسم الحركي للتيار العالماني بعد ثورة يناير المجيدة) بالتوحد لتكوين البديل الثالث لحكم مصر، باعتبار أن الإخوان كانوا هم البديل الأول، والعسكر هو البديل الثاني، وأنا أسمي هذه المطالبة فنكوشا لأني على يقين من أن السيد حمدين نفسه يعرف أن ما يطلبه مستحيل، لا أقصد طبعا أن أطراف التيار العالماني لا يمكنها أن تتحالف أبدا، إنما أقصد أن هذا التحالف، لو تكون، لا يمكنه بأي حال أن يكون بديلا للحكم، لسببين:
الأول: بالتأكيد يعلم السيد حمدين أن القوى العالمانية يمكنها أن تتحد فقط لمعارضة التيار الإسلامي، لكنها، بحكم طبيعة أيديولوجياتها الفكرية ومناهجها الحركية، لا يمكنها أن تشكل بأي حال من الأحوال بديلا قادرا على طرح برنامج واحد متماسك يمكنه أن يكسب ثقة الشعب المصري، وليس هذا كلاما من عندي، لكنه التحليل الرصين الذي قدمه واحد من أكثر العالمانيين المصريين علما واحتراما، وأنا أكن لبعض المفكرين العالمانيين احتراما عميقا برغم اختلافي مع أطروحاتهم، وأعتقد أن أخطاءهم فيما يقترحون من مسارات لتقدم مصر ونهضتها يأتي غالبا من خطأ مقدماتهم، التي تعبر عن فهمهم القاصر لطبيعة الشعب المصري وثقافته، وفي أحيان قليلة يكون خطأهم في التحليل ذاته، وأهتم بأفكارهم لفائدتها سلبا وإيجابا، أما غيرهم من العالمانيين كذابي الزفة، وقد صاروا هم الأغلبية الآن، فإن المرء لا يقرأهم إلا ليرد عليهم ويفند أكاذيبهم .. المهم: يخبرنا الدكتور فؤاد زكريا في كتابه "الصحوة الإسلامية في ميزان العقل" أن معظم الذين يستخدمون كلمة العالمانية لا يستطيعون أن يحددوا لها معنى دقيقا (ص 45)، ويؤكد أن "التضاد بين التيار الإسلامي والإتجاه العلماني ليس تضادا بين "مشروعين"، ولا بين أيديولوجيتين، فهناك أيديولوجية إسلامية .. وهناك من جهة أخرى مجموعة من الأيديولوجيات الشديدة التباين، التي لا يجمع بينها سوى رفض الحل السياسي الذي يقترحه التيار الإسلامي" (ص 49) .. وفي ظل هذا الوضع الذي يصفه الدكتور زكريا لا يمكن لهذه القوى أن تتفق على برنامج واحد، إلا إذا كان هذا البرنامج يتكون من نقطة واحدة، هي العمل على استعادة الديمقراطية المصرية التي ضربها العسكر ضربة قاصمة، وهم لن يقدموا على ذلك (أشهد أن بعضهم رفض تماما، في حوارات الغرف المغلقة، إدراج هذه النقطة في أي اصطفاف وطني)، لأن في عودة الديمقراطية عودة للتيار الإسلامي إلى الساحة، وهم يعلمون ما يعنيه لهم ذلك، أما في ظل حكم العسكر فربما يكون لهم أمل، على المستوى الشخصي لقياداتهم، في أن يعتلي بعضهم منصبا قياديا.
الثاني: منذ أن أيد السيد حمدين وجماعته من العالمانيين استدعاء العسكر لضرب التجربة الديمقراطية التي أفرزتها ثورة يناير المجيدة لمجرد رغبتهم في إسقاط الإخوان فإنهم قد أيدوا عودة نظام للحكم لا يقبل بتداول السلطة، فالإنقلابات العسكرية لم تفرز أبدا نظاما ديمقراطيا يقبل بتعدد القوى السياسية (باستثناء انقلاب سوار الذهب في السودان، والذي كان حقا رجلا من ذهب)، ففي ظل إعلام الرأي الواحد، والسيطرة على القضاء، وعسكرة الاقتصاد، لا يمكن وجود أية قوى أخرى يمكنها أن تكون بدائل للحكم.
بالطبع سيسمح نظام العسكر بوجود منافس للسيسي في الانتخابات، بل سيشجع على ذلك، لاستكمال الديكور الديمقراطي ليس إلا، لكن حاله لن يكون أفضل من حال السيد حمدين نفسه في الانتخابات السابقة .. سيأتي ثالثا بعد الأصوات الباطلة.
عادل الجندى || adel.elgendy@gmail.com
حفظكم الله يادكتور، و لديكم المزيد