منذ 7 سنة | 3459 مشاهدات
إشتهر يوسف زيدان بعد روايته "عزازيل"، وقد بدأت الرواية بطريقة جيدة لكني لم أستطع إكمال قراءتها بعد أن اتخذت منحى هابطا يتعلق بالرغبات الجنسية المكبوته للراهب بطل الرواية، لكني استطعت أن أكمل قراءة كتابه "اللاهوت العربي"، وهو يدور حول الجوانب المشتركة للديانات الإبراهيمية الثلاث .. الكثير من الإطناب واللف والدوران ليثبت ما هو ثابت عندنا بيقين، بل هو جزء من إيمان المسلم، فالقرآن أخبرنا بأن اليهودية والمسيحية ديانتان سماويتان تحملان في الأصل نفس المحتوى العقائدي للإسلام مع اختلافات في بعض الأحكام التشريعية أملاها اختلاف العصور، وإذا كان قد طالهما تحريف فلابد أن المتبقي من الأصل سيتفق مع ما عندنا .. ما أثار عجبي هو أن الدكتور زيدان استخدم الكثير من الشواهد دون أن يذكر هذا الشاهد المباشر والحاسم، قلت في نفسي: لنحسن الظن بالرجل ونقول أنه كتب كتابه لغير المسلمين، فمن غير المناسب حينها أن يستشهد بما نؤمن به من تحريف ديانتيهما ليقنعهم بأننا في النهاية تشترك عقائدنا في بعض الأفكار المهمة.
ثم استمعت مؤخرا لشريط له على "يوتيوب" يقول فيه أن الأديان الثلاثة قد تلاقحت فيما بينها، فاليهودية لم يكن فيها ذكر في البداية ليوم القيامة والحساب في الآخرة (الأسفار الخمسة المنسوبة لموسى (ع) في التوراة الحالية لا يوجد فيها فعلا أي ذكر للقيامة، ونحن المسلمون نفسر ذلك بأن نسختها الأصلية قد فقدت وكتبوها بعدها بعدة قرون من الذاكرة فضاعت منها أشياء كثيرة – ع.)، ثم جاءت المسيحية في فلسطين، وفلسطين قريبة من مصر، هكذا يخبرنا الدكتور، فأخذت من العقائد المصرية القديمة عقيدة البعث والحساب بعد الموت، ووجدها اليهود مقنعة فأضافوها إلى عقائدهم، ثم جاء الإسلام فبلور هذه الأفكار في كلام مفصل عن البعث والنشور والصراط والجنة والنار .. إلخ، وكرر أكثر من مرة حكاية أن الأديان تتلاقح فيما بينها وقد يأخذ السابق من اللاحق (الأديان أيضا تتطور) .. لم يقل بصريح العبارة أنها كلها منتجات ثقافية لشعوب الشرق الأوسط، ولكن هذا هو بالضبط ما يعنيه الكلام، فإذا كانت الأديان تتلاقح وتقتبس من بعضها ما يراه المؤمنون جيدا فليس في الأمر إذن وحي ولا يحزنون.
النقطة الأقل أهمية هي أن فكرته عن هذه التلاقحات فكرة سطحية وسخيفة حتى من وجهة نظر من لا يؤمنون بالوحي السماوي ويرون الأديان كلها منتجات ثقافية للبشر، فكيف يقال أن المسيحية اقتبست عقيدة البعث الأوزوريسية من مصر ثم أخذتها منها اليهودية، بينما المسيحية نشأت أصلا في بيئة يهودية كانت تعرف عقيدة الحساب بعد الموت فعلا؟ .. اليهود تقول توراتهم أن اليهودية نشأت أصلا في مصر، وأن موسى (ع) قد تثقف بالثقافة المصرية على يد كهنة المعابد المصرية، فإن كانت المسألة إقتباسات من الديانة المصرية فاليهودية أولى بذلك، وإذا كانت الأسفار الخمسة الأولى المنسوبة لموسى (ع) لا ذكر فيها للحساب بعد الموت فإن هذه العقيدة أضيفت إلى التوراة الحالية قبل المسيح (ع) بعدة قرون، في أسفار بعض أنبياء بني إسرائيل المتأخرين عن موسى فعلا، ولكن السابقين لعيسى قطعا .. هذا لغو لا يليق بأي مثقف حتى لو كان عالمانيا.
لكن النقطة الأكثر أهمية عندنا هي أنه مادام يوسف زيدان لا يؤمن بأن هذه الأديان تنزيل من رب العالمين، ولا يصدق أن الأنبياء يتلقون الوحي من السماء ولا يقتبسون أفكارهم من محيطهم الثقافي، فلماذا يصر إذن على أنه يتحدث إلينا باعتباره مفكرا إسلاميا؟ .. لماذا لا يقول رأيه بصراحه ودون لف ودوران ويريحنا من الاحتجاج عليه بآيات وأحاديث هو لا يؤمن بقدسيتها؟ ..
هذا لا يعني طبعا أننا نرفض الحوار مع يوسف زيدان وأمثاله، ولكنه يعني أنه ليسمن حقهم الحديث باسم الإسلام، وأن الحوار معهم ينبغي أن ينتقل إلى مستوى آخر، هو: هل الإسلام دين من عند الله أم لا؟ (أو حتى هل الله – جل وعلا - موجود أم لا) .. وكفانا استهبالا.