قرآننا وقرآنهم

منذ 6 سنة | 1977 مشاهدات

بات الكثيرون من الباحثين التوراتيين يستبعدون فكرة أن تكون هذه الأسفار هي كلام الله، ويتعاملون مع نصوصها على أنها سجل لتأملات حكماء بني إسرائيل الدينية وخبرتهم التاريخيىة، وقد اضطروا إلى ذلك إضطرارا بعدما زادت الانتقادات الموجهة إلى التوراة الحالية إلى درجة خطيرة، بسبب الأخطاء العلمية الفادحة التي وقع فيها كاتبوها، وبسبب التعارض الواضح بين العديد من قصصها وبين ما أفصحت عنه الآثار من وقائع تاريخ المنطقة .. أصبحت نصوص التوراة عند هؤلاء الباحثين (ومنهم من هو شديد التدين [!]) نص ثقافي تراثي أنتجه شعب معين في ظرف تاريخي معين، وعلى هذا فلا تثريب عليهم إن هم حاولوا تنقيته من بعض "الشوائب" ومن بعض النصوص واضحة البطلان، وقد فعلوا، وظهرت نسخ حديثة "منقحة" من الكتاب المقدس، أزيلت منها بعض الفقرات، بل بعض الإصحاحات الكاملة، وعدل بعضها الآخر، وفي نفس الوقت أنتجوا تفسيرات حديثة، خاصة لسفر "التكوين" الذي يكتظ بالأخطاء العلمية، حاولوا فيها استخدام بعض الحيل الإكروباتية وألاعيب الحواة لتمرير هذا السفر على المؤمن المعاصر، وهم في الحقيقة معذورون في ذلك، وهم لا يقومون به للحط من قيمة دينهم، بل على العكس، إنهم يحاولون بقدر الإمكان الحفاظ على هذا الدين برغم ما تحتويه نصوصه من عيوب شديدة.

          أما المسيحيون – الكاثوليك منهم بالذات – فالإشكالية عندهم أقل حدة، من حيث ضغطها على أعصابهم وتحديها لإيمانهم، فهم يؤمنون أن روح القدس هو الذي يقود الكنيسة وينطق بلسان آبائها، وعلى هذا الأساس يمكن للبابا وأعضاء المجلس المقدس أن يعدلوا في العقائد وأن يضيفوا إليها ويحذفوا منها لتتوافق – قدر الإمكان – مع ما يمكن أن يقبله المؤمن المعاصر، فنصوص الإنجيل ليست وحدها هي التي تنقل وحي السماء الذي نزل من 2000 سنة، فروح القدس مازال، من وجهة نظرهم، يعمل حتى الآن من خلال الكنيسة.

          ومثقفونا العالمانيون هم في الواقع أبناء للثقافة الغربية، يحملون روحها وأسلوب تعاملها مع النصوص الدينية، لذلك يستغربون بشدة رفضنا للنظر إلى القرآن على أنه منتج ثقافي للشعوب العربية في القرن السابع الميلادي، ولا يفهمون لماذا نرفض أي محاولة لتطوير هذه النصوص حتى تتمشى مع "روح العصر"، ويصفوننا بالجمود والتخلف وربما الغباء، ويستعصي عليهم فهم موقفنا من القرآن عندما نقول أنه كلام الله بنصه، كلماته وحروفه ومداته وغناته ووقفاته .. إلخ، تعلماه من رسول الله (ص)، ونقل إلينا بإملاءه شخصيا على كتبة الوحي، ولا نملك أن نعدل فيه شيئا، وأنه نزل بلغة العرب، ولا يمكن لأحد أن يحاول فهمه بعيدا عن هذه اللغة كما كان يتخاطب بها العرب في زمن التنزيل، وأنه بسبب مصدره الإلهي وإعجازه اللغوي والفكري لا يحتاج إلى أي حيل أو ألاعيب لفهمه، فقط معرفة آياته وتطبيق الرسول (ص) لها وإتقان للعربية وعقل سليم ووجدان نقي بعيد عن الهوى، وإذا تعارضت "روح العصر" مع تعاليم القرآن فإننا سنحاول أن نرد روح العصر إلى المسار الذي أراده الله للبشر، لا أن نبدل هذا المسار ونحوله إلى الوجهة التي اختارها أهل الغرب لحياتهم.

          لم تصمد أية فكرة من أفكار هؤلاء العالمانيين للبرهنة على أن منهجنا الذي يرتكز على تراث أئمتنا العظام يعجز عن تحقيق مصالح الأمة، واستطعنا على الدوام، وفي كل مواجهة، أن نثبت تهافت نقدهم وعبقرية ديننا، لكنهم اليوم يستفردون بالمشاهدين على قنوات التلفاز، حيث لا يمكننا مناقشتهم وتفنيد أقوالهم، ليحاولوا لي الحقائق القرآنية لتناسب هدف الهجمة الغربية الشرسة الراغبة في عزل الإسلام عن الحياة، ونحن لا نهدف في هذه المقالات إلى تتبع مغالطاتهم الفجة، فهناك بحمد الله من تصدى فعلا لهذه المهمة ويقومون بها بكفاءة عالية، وفقهم الله وأثابهم على نياتهم، أما نحن فسنركز بإذن الله على منهجية هؤلاء العالمانيين، أو لامنهجيتهم، لنثبت أنهم، عكس ما يدعون، سطحيون وجهلة، أو عملاء ومخربون، والله حافظ دينه لو كره الكافرون.

شارك المقال