منذ 1 اسابيع | 2786 مشاهدات
لاحظ أننا لا نسأل كيف ستنتصر المقاومة، وإنما السؤال هو: متى تعلن عن الإنتصار الذي حققته بالفعل، أما خطة ترامب فقد كان هدفها هو حرمان المقاومة من جني ثمار نصرها، ونحن نرجو أن نقلب السحر على الساحر ونجعل من هذه الخطة فرصة لزيادة محصولنا.
لماذا نقول أن هناك إنتصارا قد تحقق؟ .. إن حركات المقاومة نادرا ما تنتصر بالضربة القاضية (أي أنها لا تخوض حربا تجلي بها الجيش المحتل)، لكنها تنصر بالنقاط، فهي تخوض جولات متوالية، تخرج من كل منها وهي في وضع أفضل لتبدأ منه الجولة التالية، والنصر النهائي لن يتحقق بكسر العدو عسكريا، ولكن بتنامى قوة المقاومة لدرجة تمكنها من إستنزاف المحتل بخسائر مستمرة تجعل تكلفة الإحتلال أكبر من أي منافع له .. لقد حققت المقاومة بالفعل حتى الآن عددا من المكاسب التي ستمكنها بإذن الله أن تعد للمعركة القادمة بطريقة أفضل، وأن تبدأها من نقطة أقرب إلى الهدف النهائي، أهم هذه المكاسب هي فضح العدو الصهيوني وتحطيم صورته الذهنية التي كانت تجعل جماهير الغرب تتغاضى عن تأييد حكوماتها لإسرائيل (حدث هذا في أمريكا أيضا، بل داخل اليمين الأمريكي المتدين الذي كان كله صهيونيا، لتخرج منه أصوات شديدة التأثير تنفي أي صلة للتدين المسيحي بخرافات شعب الله المختار)، مع تنامي التأييد الشعبي للكفاح الفلسطيني بين قطاعات مؤثرة وإستجابة بعض الحكومات لضغوط شعوبها، ويمكنك أن تضيف سقوط الأقنعة عن العملاء، وغيرها من المكاسب التي لن نسترسل في سردها، لأن هدف المقال هو كيف يمكن إستغلال خطة ترامب لإضافة مكاسب أخرى غير ما تحقق بالفعل.
والمحتل الذي نتحدث عنه ليس هو العدو الصهيوني، فهذا مجرد بيدق يحركه المحتل الحقيقي: الإمبريالية الأمريكية (راجع المقال الأول من هذه السلسلة)، ومن يملك نظرة إستراتيجية سيوافق على أن الخطة التي قدمها ترامب تعني أن السياسة الأمريكية قد أدركت أن خسائرها من دعم العدوان الصهيوني باتت أكبر مما يمكن للإحتلال، بهذا الوضع، أن يحققه للمصالح الأمريكية (راجع المقال الثاني)، وأن أمريكا قد إتخذت قرارا بضرورة إنهاء هذه الحرب المجرمة بأقل الخسائر الممكنة للعدو الصهيوني، فهو ما يزال بيدقا في ترسانتها، وبأقل الأرباح للشعب الفلسطيني، فهذه الأرباح ستصب في خانة بناء القوة التي تحتاجها أمتنا للتحرر من الهيمنة الغربية.
دعك من حكاية ريفييرا الشرق، فهذه لا تخدم أي مصالح أمريكية، إنها مجرد فكرة ليحقق منها دونالد ترامب ومجموعتة بعض الأرباح العقارية، وستفقد تأثيرها على القرار الأمريكي بنهاية رئاسة ترامب، أو عندما يواجه مشاكل جدية في إنتخابات التجديد النصفي للكونجرس العام القادم، فدعم حكومته لإسرائيل سيكون له أثرا سلبيا على مرشحي حزبه، لكن أطماع ترامب الشخصية قدمت لنا خدمة لم يقصدها الرجل، فأظن أن تراجعه عن فكرة التهجير له علاقة بإكتشافه أن الريفيرا في حاجة للأيدي العاملة الفلسطينية الرخيصة التي تسكن بالجوار .. هذا المشروع لا فائدة منه للإستراتيجية الأمريكية، بل على العكس، يرى بعض مفكريهم أن هذه الريفييرا ستعمل على تعميق كراهية شعوبنا لأمريكا، وزيادة تقبلنا لدور القوة الإيرانية في تحجيم العربدة الصهيو-أمريكية.
أكد الأستاذ معتز مطر، وغيره، أن الطمع في "نوبل للسلام" هو الذي يدفع ترامب، ربما كان أحد العوامل، لكني أعتقد أن الأثر الأكبر كان لضغوط أجهزة صنع القرار الإستراتيجي، وأهمها الجيش والخارجية والمخابرات، والتي يعدها ترامب جزءا من الدولة العميقة ويكن لها عداءا معلنا، لكنه لا يستطيع الإستغناء عنها .. يمكنه تغيير القيادات العليا وتخفيض عدد العاملين، لكنه لا يستطيع التخلص من مجموعة الرجال المحترفين أصحاب الكفاءة والخبرة الطويلة الذين يمثلون جسد هذه المنظمات وعمودها الفقري، هؤلاء لا يمكن إستبدالهم وإلا إنهارت هذه الأجهزة التي هي أدوات تنفيذ أي سياسة .. من الممكن منعهم من إبداء معارضة علنية (لذلك لم نعد نسمع نقدهم لترامب)، لكن لا يمكن تسخيرهم لتخطيط وتنفيذ عمليات تقتصر منفعتها على زيادة ثروة ترامب وزمرته .. هذه هي خبرة حرب فيتنام، فقد كانت أجهزة الدولة العميقة هي التي فضحت الحكومة وأدت إلى السقوط المهين للرئيس نيكسون.
لنعد إلى الموضوع الساخن: خطة ترامب .. لقد أفاض المعلقون، المتعاطفون مع المقاومة وغير المتعاطفين، في شرح كيف أنها أعطت لإسرائيل كل ما تريده وكأنها إنتصرت ، وتسلب من الفلسطينيين كل ما أنجزوه وكأن عليهم أن يوقعوا صك الإستسلام، ومع ذلك فقد قررت هذه الخطة، ضمنا ودون قصد، بعض المبادئ التي بنت عليها المقاومة ردها شديد الذكاء، والذي لا نتصور ردا أفضل منه، وسنذكر فيما بعد كيف يمكن لهذا الرد أن يقود إلى نصر سياسي يجعلنا نبدأ الجولة القادمة بإذن الله من وضع أفضل، لكن دعنا أولا نستجلي هذه المبادئ الضمنية التي جاءت إعترافا بمنجزات المقاومة.
أولا: الأعمال العدوانية الإسرائيلية يجب أن تتوقف والجيش الإسرائيلي يجب أن ينسحب، صحيح أن عدم وضع برنامج محدد للإنسحاب يعطي لنتنياهو فرصة للتلاعب، لكن المبدأ قد تقرر منذ أعلنت الخطة: إسرائيل لم تنتصر وعليها أن تنسحب.
ثانيا: ليست إسرائيل هي التي تحدد من الذي سيحكم القطاع، صحيح أن الخطة تريد إنشاء هيئة دولية رئيسها ترامب ومديرها التنفيذي توني بلير، لكن هذه قضية أخرى يمكن مناقشتها وتحديها عبر التساؤل مثلا: لماذا لا تكون الهيئة نابعة من الأمم المتحدة؟ فإذا أيدتنا دول العالم فستضطر أمريكا للقبول، وسيكون السؤال التالي: لماذا لا ينحصر دور هذه الهيئة في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة؟ .. وهذا هو بالضبط أفضل ما نريده لهذه المرحلة (راجع المقال السابق).
ثالثا: إنتهى الكلام عن التهجير، السكان باقون وسيتم تنظيم عمليات إدخال المساعدات وإعادة الإعمار .. صحيح أن الخطة وضعت هذه العمليات تحت سيطرة الهيئة الترامبية التوني بليرية، لكنها إعلان صريح عن التخلي عن فكرة التهجير، وإذا صارت الهيئة الدولية تابعة للأمم المتحدة ومهمتها تسليم السلطة لحكومة يختارها الشعب الفلسطيني (هذا هو ما ينص علية الميثاق والقرارات الأممية، راجع المقال الرابع) فإن العملية ستنتقل بسرعة لأيدي أهلنا.
رابعا: بالطبع تشترط الخطة لكل ذلك تصفية المقاومة ونزع سلاحها.. وأظن أن المقاومة ستجد طريقة لتجاوز هذا الشرط، فتطبيقه هو إنتحار حقيقي.
سنواصل في المقال التالي بإذن الله توضيح ما فهمناه من رد المقاومة، والأدوات والوسائل التي لم تعلن عنها لكن الرد وصياغته توحي لنا بوجودها في ذهن القيادة، كي تقلب السحر على الساحر وتنهي العملية بإعلان قيام الدولة الفلسطينية أو تهيئة الظروف الموضوعية لقيامها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ملحوظة: كتب هذا المقال قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار، لا أجد داعيا لإجراء أي تعديل.