منذ 1 ايام | 322 مشاهدات
أعلن ترامب أنه يريد إخلاء غزة ليبني منتجعات تنافس ميامي والريفيرا، وبرر رغبته بتعذر إعادة الإعمار في وجود السكان، عندما إعترض الحكام العرب طلب منهم أن يأتوا بحل بديل، هل تصدق أنهم ظنوا أن المشكلة هي فعلا أن الرجل لا يعرف طريقة للإعمار في وجود السكان؟ .. ذكرني هذا بالملك الهكسوسي الذي أرسل إلى ملك مصر يقول له أن صوت أفراس البحر المقدسة التي يربيها في طيبة تمنعه من النوم، وينذره إما أن يقتل هذه الأفراس أو سيأتي الهكسوسي ليقتلها بنفسه، لو كان سقنن – رع يفكر بطريقة حكامنا لرد على الهكسوسي بأنه سينقل الأفراس إلى النوبة أو سيركب لها كمامات أو أي حل ليتمكن المحتل من النوم، لكن لحسن حظ تاريخنا فهم ملك مصر الرسالة وأعد جيوشه للقتال حتى أنجز إبنه أحمس المهمة .. لكن حكامنا كأنهم لم يفهموا، وطفقوا يعدون خطة هندسية ليقنعو ترامب بإمكلنية بناء القطاع على مراحل دون تهجير أهله [!!] كأن ملياردير الإستثمار العقاري لا يعرف أنه لا توجد مشكلة هندسية.
سيقول لك البعض: أنظر لنصف الكوب الملآن، لقد أعلنوا رفضهم للتهجير .. ولا حتى نقطتين في قعر الكوب، فكل دول العالم ترفض التهجير وتعده جريمة حرب، حتى وزراء اليمين الصهيوني الأشد تطرفا لا يقولون أنهم سيشحنون أهلنا في حافلات وينقلونهم عنوة إلى مصر والأردن، بل يقولون سننغص عليهم حياتهم ونجوعهم حتى يكرهوا العيش في غزة، وعندها سنقدم لهم دعما سخيا للخروج ونسمي هذا هجرة طوعية .. إن من يرفض التهجير لا يواجه الصهاينة بخطة لبناء المساكن ومد المرافق، وإنما يستخدم كل وسيلة لمد غزة بالطعام والوقود ليمكنهم التمسك بالأرض، ويطالب مجلس الأمن بإرغام إسرائيل بالقوة المسلحة (تحت البند السابع كما فعلوا في تحرير الكويت، ستستخدم أمريكا الفيتو لكنهم يكونوا قد أدوا ما عليهم) على تنفيذ قرار الجمعية العامة الذي يأمر بالإنسحاب وإخلاء المستوطنات في موعد غايته أغسطس 2025 وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة (راجع المقال رقم 4 على الرابط: http://www.assemelfouly.com/seriespost/398)، وبذلك تفقد المقاومة الغائظة لترامب مبرر وجودها .. لكن قرارات القمة لم تتطرق بجدية لشيء من ذلك، ودعنا نعيد شرحها بلغة مستقيمة ونسمي الأشياء بأسمائها بعيدا عن اللف والدوران.
إذا نحينا جانبا عبارات الشجب والإستنكار والرفض وإعادة التذكير بالمبادرة العربية التي مضى عليها ربع قرن فلن يبقى إلا عدم الإعتراف بالمقاومة، ونزع سلاحها، وتسليم القطاع لسلطة أبو مازن (أو دحلان) لتديرها وفقا للمبادئ والأساليب التي تدير بها الضفة، بالإضافة إل عدة نقاط أخرى وضعت للزينة ولا يملك المجتمعون لها خفضا ولا رفعا.
يؤكد القرار رقم 10 على "الترحيب بالقرار الفلسطيني بتشكيل لجنة إدارة غزة تحت مظلة الحكومة الفلسطينية ... بالتزامن مع العمل على تمكين السلطة الوطنية للعودة إلى غزة تجسيدا للوحدةالوطنية .." ما هو الوطني في تجاهل فصائل المقاومة وتسليم القطاع لسلطة أبو مازن لتجعلها مستباحة للجيش الإسرائيلي كالضفة؟ هذا بالضبط ما كانت تفعله كل الدول الإستعمارية عندما تسلم المستعمرة إلى حكومة محلية عميلة، ولن نكرر ما قلناه في مقالاتنا السايقة عن طبيعة سلطة أوسلو .. "مع التأكيد على أن ملف الأمن هو مسئولية فلسطينية خالصة، ويتعين أن يدار من قبل المؤسسات الفلسطينية الشرعية وحدها [لأن المقاومة ليست شرعية] وفقا لمبدأ القانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد" .. خلاص .. سيرتاح الجيش الإسرائيلي ويصبح قمع المقاومة مسئولية فلسطينية، فشرطة أبو مازن هي وحدها التي تحمل السلاح، وهي وحدها التي ستدير الأمن في غزة بالطريقة التي تديره بها في الضفة بالتنسيق المعلن والمستتر مع الحكومة الإسرائيلية .. ولا ينسى القرار "تثمين العرض المقدم من المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية لتأهيل وتدريب كوادر الشرطة الفلسطينية .." أهل مصر والأردن يجأرون بالشكوى من الممارسات الشرطية عندهما، وها هو القرار يريد أن يستمتع الفلسطينيون بنفس النوع من الممارسات.
وفي القرار رقم 12 "التأكيد على توحيد الصف الفلسطيني ومختلف الأطراف الوطنية الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني" .. ليس فقط نزع سلاح المقاومة الإسلامية، بل إلغاء وجودها السياسي من أصله، فحماس والجهاد ليستا أعضاء في المنظمة، والمنظمة نفسها فقدت دورها التحريري، الذي هو مبرر وجودها، بعد تعديل ميثاقها إستجابة لأوسلو (راجع مقال رقم 7 "صعود وهبوط منظمة التحرير" على الرابط: http://www.assemelfouly.com/seriespost/401).
يذكر البيان بالطبع بعض الأقكار التي لا يسعك إلا الإعتراف بأنها ستكون جميلة لو وضعت موضع التنفيذ، لكن البيان لا يتطرق للإجراءات، وكل ما يقوله هو دعوة الآخرين لتبنيها والتحرك لتنفيذها[!!] .. لنعرض أمثلة للتوضيح.
يخبرنا القرار رقم 9 بأنه سيتم التنسيق وإجراء الإتصالات والقيام بزيارات من أجل التعبير عن تمسكنا بحق الشعب الفلسطيني وبحث الإجراءات والتحركات التي يمكن إتخاذها .. إلخ، كأن الحرب على غزة قد بدأت لتوها ولم يتسنى لهم التفكير والبحث، لذلك لا نعرف الآن أي إجراء لنقوم به، لكننا عندما نعرف بإذن في وقت ما سنقوم بشء ما .. قارن هذا ببيان مجموعة لاهاي الذي صدر قبل قمتنا بخمسة أسابيع، وهي مجموعة تتكون من 9 دول، ليس من بينها واحدة عربية، أعلنت أنها ترفض الصمت إزاء الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، وستعمل على محاسبتها عليها، وإتفقت على دعم المحكمة الجنائية الدولية بشأن أوامر إعتقال نتنياهو وجالانت، وعلى منع توفير أو نقل الأسلحة والذخائر والمعدات ذات الصلة بالحرب إلى إسرائيل، وعلى منع السفن التي تستخدم لنقل الأسلحة والوقود العسكري إلى إسرائيل من إستخدام أي من موانيها، كما نص البيان على إتخاذ المزيد من الإجراءات والتدابير الفعالة لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ودعوة جميع الدول لإتخاذ كل الإجراءات السياسية الممكنة لإنهاء هذا الإحتلال .. يبدو أن هذه الدعوة لم تصل للمجتمعين عندنا، فلم يشر بيانهم لهذه الإجراءات وعزمه على تنفيذها، بل إنه لم بتوجه للمجموعة بالشكر على غرار "التنويه بالدور الإيجابي الذي إضطلعت به إدارة الرئيس ترامب ... البناء على تلك الجهود مع الرئيس الأمريكي .. [!!]" ولا حول ولا قوة إلا بالله.
القرار 17: "الدعوة، بالتعاون مع الأمم المتحدة، لإنشاء صندوق دولي لرعاية أيتام غزة وضحايا العدوان الإسرائيلي .. " الدعوة !!؟؟ .. لماذا لم يكن القرار هو إنشاء الصندوق وتقديم التمويل المتاح من الدول العربية ودعوة الأمم المتحدة لتبنية ودعمه من دول العالم؟ .. لعل المانع خير.
القرار 18: "حث الدول على الإلتزام بالرأيين الإستشاريين لمحكمة العدل الدولية وأوامرها بشأن جرائم إسرائيل القوة القائمة بالإحتلال .." القرار يطالب الدول .. أليس مصدرو البيان يمثلون دولا؟ لماذا لم يبدأوا بأنفسهم؟ ثم لماذا الكلام عن أحكام إستشارية بشأن تحسين أداء القوة القائمة بالإحتلال مع أن لدينا قرار الجمعية العامة الملزم بإنهاء الإحتلال نفسه .. يا مثبت العقل والدين.
وهكذا في كل البنود الأخرى، كالمطالبة بوقف العدوان والإستيطان والفصل العنصري وحل الدولتين والملاحقة القانونية لمجرمي الحرب .. إلخ، إما أن تطالب الآخرين بفعل شيء ما لا تحدده، أو توصي بالبحث والدراسة للوصول إلى كيفية التنفيذ أو غيرها من الصياغات التي تعني في التحليل النهائي: نحن نعرف المشكلة، ونتمنى أن تحل، لكننا لن نفعل شيء في الوقت الحالي .. وحسبنا الله ونعم الوكيل.