منذ 3 شهور | 1369 مشاهدات
منذ بداية الطوفان، وفي مواجهة الصهاينة العرب، كان الإعلام المناصر للمقاومة يوضح أنها لا يطلب منها تحقيق التفوق العسكري على الجيش الإسرائيلي،وإنما هي تنتصر إذا لم تنكسر، إذا إستمرت قادرة على تكبيد العدو خسائر تشعره بأن لإحتلال الأرض تكلفة تتجاوز طاقته، إلى آخر هذه الأفكار التي بات الجميع يعرفونها: إنتصار المقاومة ليس بدحر الجيش الإسرائيلي بل بعدم تمكينه من دحرها مهما تكلف ذلك من تضحيات .. كان هذا هو الخط الذي تبناه إعلاميو المعارضة المصرية في الخارج طالما كان الكلام عن المقاومة الفلسطينية، أما عندما صار الكلام عن المقاومة اللبنانية فقد أصبح له أسلوب آخر.
عقب الضربة التي وجهها حزب الله للوحدة 8200، وهي وحدة من أخطر وحدات الإستخبارات الإسرائيلية، وضع الأستاذ معتز مطر لتعليقه عنوان "فشل رد حزب الله"، وتحت نفس العنوان كان تعليق الأستاذ عماد البحيري .. عجبا .. كأنهما يصدقان نتنياهو الذي تعودنا منه الكذب، كحكاية أن حماس قتلت المدنيين وإغتصبت النساء وقطعت رؤوس الأطفال، ويتجاهلون بيان السيد حسن نصر الله الذي لم نجرب عليه كذبا حت الآن .. حتى عندما أكدت مصادر أجنبية فيما بعد أن الوحدة 8200 تكبدت خسار فادحة في التجهيزات بالإضافة إلى قتل 22 من ضباطها يرجح أن يكون من بينهم قائد الوحدة، لم يكلف أحدهما نفسه بإعادة النظر في تقييمه لهذه الضربة.
وبعد مجزرة "البيجرز" يقدم لنا الأستاذ معتز 30 دقيقة من التبكيت لحزب الله، مكررا حوالي عشر مرات أن الحزب بغفلته وغبائه تسبب في أن تستعيد إسرائيل سمعتها الإستخباراتية التي فقدتها يوم 7 أكتوبر، يعني بعد أن كانت مساهمته هامشية وغير مؤثرة (وهي لم تكن كذلك بالتأكيد) أصبح يمثل ضررا لجهد المقاومة، ثم يكرر الإعتذار عن مواجهتنا بهذه الأخبار السيئة بأنه لا يريد أن يكذب علينا .. لا تكذب، لكن ألا يسعك الصمت بدلا من أن تخذل المقاومة وتسبب الإحباط لداعميها؟
ما هكذا يكون الإعلام في زمن الحرب، ألم نتعلم من العدو الصهيوني الذي يمارس جيشه رقابة صارمة على إعلامه ويعتم على خسائره ويدعي إنتصارات سرعان ما يتضح أنها أكاذيب يغطي بها عجزه، لكن إعلامه لا يفضحه .. لماذا نعمل نحن إذن على تقديم صورة سلبية لجبهة من جبهات المقاومة العربية الإسلامية، وكأننا (لا سمح الله) نشمت بها .. يقدم لنا الأستاذ عماد البحيري التفسير من وجهة نظره: حزب الله مجرد ذراع لإيران، ونحن لا ننسى دوره المخزي في مواجهة الثورة السورية .. وهل نحن نسيناه؟ .. لكننا الآن نخوض جنبا إلى جنب (المفروض كده) معارك مصيرية ضد عدو مشترك.
زارنا وفد من حزب الله في مقر حزب العمل عام 2013، وكانت لنا بهم علاقات ودية بعد أدائهم الرائع في 2006، وكان كل ما نعرفه وقتها هو دعم حزب الله لنظام الأسد، ولم تكن قد وصلتنا تفاصيل الجرائم التي إرتكبوها، ومع ذلك لم أملك إلا أن أعلن أننا في مصر لا يمكننا أن نقبل منهم مساندة حزب البعث الإستبدادي القمعي .. حاول أحدهم أن يشرح لي الأمر من وجهة نظرهم، وهي أن الثورة التي بدأت شعبية شريفة قد سيطر عليها جماعات تكفيرية هي في حقيقتها أدوات أمريكية تمولها الأنظمة الخليجية، وأن حزب الله لا يمكنه أن يترك سوريا لتسقط في يد الأمريكان، خط إمدادهم بالسلاح من إيران يمر عبر سوريا والعراق، وبدون نظام سوري صديق ستختنق المقاومة، ورددت بأن هذا غير مقنع على الإطلاق، فالموقف الصحيح من حزب الله، إذا أراد أن يتدخل، هو أن يدعم الشعب المطالب بالديموقراطية لينقي صفوفه ويتمكن من إقامة نظام يعبر تعبيرا حقيقيا عن توجهات أهلنا في سوريا، والذي لا نشك في أنه سيدعم المقاومة بما يتجاوز كثير كل ما يمكن أن يقدمة نظام البعث الذي لم يحرك ساكنا ضد إسرائيل، تدخل أحد الأخوة المصريين الطيبين لإنهاء المناقشة على أساس أن هذا الوفد مجرد مجموعة علاقات عامة.
نعرف أن لإيران مشروعها الإقليمي، وهم يقدمونه بإعتباره محاولة لتكوين جبهة إسلامية تضم إيران والعراق وسوريا لمواجهة الهيمنة الأمريكية، وينكرون أية أبعاد طائفية لمشروعهم، ويزعمون أن هذه فرية تروج لها الأنظمة الخليجية خدمة للمصالح الأمريكية، شخصيا لا أصدق برائتهم من الدوافع الطائفية، وأرى أنهم عملوا على ضرب ثورة الشعب السوري لأن سوريا الديموقراطية المستقلة ستتجه للتحالف مع تركيا التي لديها مشروع إقليمي منافس، وأشعر بالغيظ لأننا لانملك حتى الآن مشروعنا الإسلامي العربي، ومهما كان الأمر فلا يمكن لي أن أغفر القمع الوحشي الذي مارسته إيران وحزب الله على أهلنا في سوريا، لكن هذه ليست هي اللحظة المناسبة لتسوية الحساب، فالعدو الصهيوني لن يمهلنا، وهو يعمل حثيثا على إستئصالنا جميعا.
إن الشيعة لا يقاتلون الصهاينة لمجرد أنهم ينافسونهم على السيطرة على الإقليم، فهم متدينون بحق، ومهما كان رأيك في عقائدهم فأنهم لا يختلفون عن السنة في تعظيم المقدسات الإسلامية والإستعداد للتضحية في سبيل تحريرها، وتاريخ الصحابة (رض) يحكي لنا كيف أمكنهم تأجيل مناقشة خلافاتهم العقائدية مع نصارى تغلبة عندما إنضموا، بدافع العصبية العربية، إلى الجيوش الإسلامية في قتال الروم، هل خلافات السنة والشيعة أكبر من خلافات المسلمين والمسيحيين؟ وأنا أسألك: هل فكر جنود جيش علي (رض) في دمائهم التي أسالها جيش معاوية عندما إنضموا إليه ليغزو العالم تحت راية الإسلام؟ .. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.