منذ 1 سنة | 2867 مشاهدات
يتزايد عدد العرب الذين يتصورون أن القانون الدولي يقف في صف إسرائيل وهي تحاول إجتياح غزة، هذا عندهم هو السبب في أننا نحن الذين نتبنى منظورا إسلاميا للحق الفلسطيني نعجز عن إقناع العالم بأن إسرائيل تمارس عدوانا على أهلنا في غزة، وأن هؤلاء الذين يتظاهرون في الغرب لاتحركهم إلا مشاعر الشفقة على المدنيين العزل المساكين الذين ورطتهم المقاومة بعدوانها الوحشي على إسرائيل .. هذا كله هراء سخيف، فطبقا لمعايير القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ووثائقها فإن ما حدث في 7 أكتوبر هو أن القوات الفلسطينية في غزة إعتقلت بعض العسكريين والمدنيين الذين تواجدوا على أرض دولة فلسطين العربية بدون سند شرعي، ومحاولة الجيش الإسرائيلي لتخليص هؤلاء المعتقلين بالقوة هي عدوان لا سند له إلا القوة الراغبة في فرض أمر واقع بدون سند شرعي .. هذا هو ما يراه الشرفاء في العالم وما ينكره الصهاينة .. سأنحي في هذا المقال المعايير الإسلامية في التعامل مع القضية، ولن أعتمد إلا على ما يقبله المنطق الغربي والشرعية الدولية.
من وجهة نظر الشرعية الدولية ما هي الحدود التي يعد تجاوزها عدوانا والدفاع عنها حق مشروع؟ .. هي الحدود التي ترسمها المواثيق الدولية، ولا يمكن ضم الأراضي بالقوة، فالغزو لا يغير من حقيقة أن الغازي يحتل أرض الغير، وهذا هو جوهر الفكرة التي بموجبها يدين الغرب روسيا ويقدم كل الدعم لأوكرانيا، وعلى هذا الأساس لا يمكن إعتبار المقاومة الفلسطينية معتدية إلا إذا كانت قد دخلت الحدود الدولية للدولة اليهودية حسبما تعترف بها الأمم المتحدة، وخطفت مواطنين من داخل أرضهم ونقلتهم إلى أرضها، عندها يكون من المقبول أن تقر الدول الأخرى حق الدولة المعتدى عليها في أن تلاحق المعتدين داخل أرضهم لتحرر المختطفين .. الحال هو أن القوات الفلسطينية لم تتجاوز في 7 أكتوبر حدود دولة فلسطين العربية كما توضحها الخرائط المرفقة بقرارات الأمم المتحدة، وإذا أعملنا القانون الدولي فعلينا أن نقر بأن الذين إعتقلتهم القوات الفلسطينية هم أجانب دخلوا الأرض بدون إذن أهلها، وأقصى ما يمكن لدول العالم أن تطالب به هو ضمان محاكمة عادلة لهؤلاء المعتقلين، هذه ليست تخاريف عربي مسلم ولكنها الصورة التي يراها هؤلاء الذين يتظاهرون ضد إسرائيل في كل مكان بينما يتجاهلها صهاينة العرب.
حتى نهاية الحرب العالمية الأولى كانت أرض فلسطين التاريخية بكاملها جزءا من الدولة العثمانية، وبعد هزيمتها قرر المنتصرون إنتداب الحكومة البريطانية لإدارة فلسطين لحين إعداد مواطنيها لحكم أنفسهم، وسمحت الحكومة البريطانية لليهود (بناء على وعد بلفور) بالهجرة إلى فلسطين على نطاق واسع ومنحتهم الجنسية الفلسطينية رغم معارضة الفلسطينيين الشديدة، فنشب نزاع كبير تخللته ثورات مسلحة وإضرابات شاملة بسبب رفض أهل فلسطين لتغيير التركيبة السكانية لبلدهم، وقبل نهاية الإنتداب في 15 مايو 1945 أصدرت الأمم المتحدة قرارا بتقسيم أرض فلسطين بين اليهود والعرب، ورغم أن اليهود كانوا ثلث السكان ولا يملكون إلا 7% من الأرض (وليس كما يردد الصهاينة أن الفلسطينيين باعوا أرضهم) أعطتهم الأمم المتحدة 55% من مساحة فلسطين (الأرض الملونة باللون الأزرق في الخريطة الموجودة بصدر المقال)، وفور إلغاء الإنتداب أعلن اليهود قيام دولتهم برئاسة دافيد بن جوريون، وإعترف بها العالم فورا (جاء إعتراف الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة في الدقائق الأولى).
إعترضت الدول العربية على قرار التقسيم، ومع ذلك، ولأسباب مخجلة يطول شرحها، عارضت محاولات الفلسطينيين لإعلان حكومتهم برئاسة الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين، وبدلا من ذلك أرسلت 7 دول عربية جيوشها، وإنتهت الحرب بهدنة على خطوط تقع كلها داخل الأرض التي أعطتها الأمم النتحدة للعرب، وأصبحت الأرض الملونة باللون الوردي أرض عربية محتلة، أما الأرض المتبقية (باللون الأخضر) فلم تنشأ عليها دولة فلسطين العربية، وإنما أراد الملك عبدالله (إبن الشريف حسين بن علي إياه) إستبقاء الضفة الغربية تحت إدارته لرغبته في ضمها لمملكته في شرق الأردن، وأصبح قطاع غزة تحت الإدارة المصرية، وفي 1967 زادت مساحة الأرض المحتلة لتشمل كل أرض فلسطين التاريخية وغيرها من الأرض العربية، إلى أن قرر إرييل شارون التخلص من صداع غزة فسحب القوات الإسرائيلية منها دون أن يعني هذا إنهاء وضعها كأرض محتلة، لم تصبح غزة مستقلة، فقط ترك أهلها ليدبروا أمور معاشهم بأنفسهم.
من وجهة نظر القانون الدولي يحق للفلسطينيين أن يخوضوا حربا لتحرير أرضهم المحتلة، وهم ليسو بدعا بين الأمم، فخلال القرن العشرين خاضت شعوب كثية حروب للتحرير، ونظر إليها العالم نظرة إكبار، لعل أهمها في اوروبا هي المقاومة الأيرلندية التي حررت بلدها بعد عدة قرون من الإحتلال البريطاني (لم تكن الحكومة البريطانية تعد أيرلندا واحدة من المستعمرات، بل جزءا من كيان المملكة المتحدة)، ولهذا يبدي عدد من أعضاء البرلمان الأيرلندي تأييدهم للحق الفلسطيني، أما أشهرها فالمقاومة الفرنسية للإحتلال النازي بقيادة ديجول، لكن الفرنسيين يذهبون الآن لدعم المحتل الإسرائيلي .. لو راجعت الخريطة سيتبين لك بوضوح أن القوات الفلسطينية لم تكن تفعل أكثر من محاولة تحرير الأرض التي يقر القانون الدولي أنها أرضهم، والتي تعتبرها الولايات المتحدة نفسها ضمن الأرض الفلسطينية في خرائطها لمقترح حل الدولتين الشهير، ولهذا نعتبر أن الموقف الغربي الرسمي هو نوع من الإستهبال، أما الصهاينة العرب فسأترك للقرائ أن يطلق على موقفهم الوصف الذي يراه مناسبا .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ملحوظة: بعد الإنتهاء من المقال وقبل نشره أعلنت الصين أنها تتينى موقفا ينطلق من وجهة النظر التي عرضناها.