منذ 2 سنة | 2200 مشاهدات
أود منذ البداية أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أنني لا أستخدم عبارة "حركة الإحياء الإسلامي" للكلام عن جماعة الإخوان المسلمين، فهي، وإن كانت كبرى التنظيمات الإسلامية وأشدها أثرا، ليست إلا واحدة من تنظيمات عديدة إشتغلت بالسياسة، كما ينبغي ألا نتجاهل الدور الهام الذي لعبته جماعات إقتصرت على الإشتغال بالعمل الفكري أو الإجتماعب والخيري أو الدعوي المجرد (على الأخص جماعة التبليغ والدعوة)، بل وحتى حلقات تحفيظ القرآن في المساجد والبيوت، فهذه كلها ساهمت في بناء الزخم الشعبي المؤيد للحل الإسلامي ، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات المستقلة ذات القيمة الفكرية العالية التي كان لها مساهماتها الكبيرة والمؤثرة، وما التقدم الذي حدث على جبهة الإحياء الإسلامي خلال القرن المنصرم إلا محصلة لكل هذه الجهود، دون أن نتجاهل بالطبع أن التنظيم الأكبر كان هو القائد الفعلي الذي يتخذ قراراته بشكل واعي ونظامي لتؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على إيقاع وأسلوب كل الفاعلين الآخرين.
وفي هذا الصدد تجدر الإشارة باختصار سنزيده تفصيلا فيما بعد، إلى أن أغلب المرتكزات الفكرية لتيار الإحياء الإسلامي جاءت من خارج التنظيمات الحركية، فحتى هؤلاء الذين تولوا قيادة تنظيمات إسلامية وكان لهم عطاءهم الفكري المتميز (البنا والمودودي وعادل حسين رحمهم الله) لم تنبت أفكارهم نتيجة التفاعل بينهم وبين كوادر التنظيم، وإنما كانت هي الأصل الذي بني عليه التنظيم، والغزالي والقرضاوي اللذان بدءا داخل الإخوان أنتجوا إضافاتهم الفكرية بعد أن أن فارقوها، ويبدو الشهيد سيد قطب حالة محيرة (بالنسبة لي على الأقل)، ففي كل مرة أردت فيها أن أحتج على محاور من الإخوان بالإستشهاد بأفكار سيد قطب كان يصرح بأنها لا تلزمه لأنها "أفكار غير إخوانية" .. هل لهذا علاقة بالمناخ الفكري داخل التنظيمات الحركية الإسلامية؟
* * *
في كل عمليات عمليات التغيير يكون هناك دائما أخطاء في العمل اليومي وجهل لبعض التفاصيل وتدني في فاعلية بعض الوسائل المستخدمة، هذا يحدث في كل المواجهات، لكنه نادرا ما يكون سببا للخسارة أو الإنكسار، وإنما يؤدي فقط إلى رفع تكلفة النصر، طالما كانت القرارات الكبرى (الإستراتيجية) سليمة وكانت التعبئة للمواجهة قد تمت بشكل يراعي الإحتياجات الإستراتيجية، لذلك سأتجنب مناقشة القرارات التفصيلية، فمعظم الأخطاء الإجرائية التي وقع فيها الإسلاميون منذ بداية أحداث ثورة يناير وحتى فض الإعتصام هي نتيجة خلل على المستوى الإستراتيجي، بعضها بسبب قرارات كبرى غير موفقة، وأغلبها بسبب قرارات كبرى لم تتخذ .. أرجو أن أزيد هذه النقطة إيضاحا عندما نصل لثورة يناير.
من الواضح أن موضوعنا ليس كلمة ورد غطاها، سنحتاج أولا إلى معرفة الظرف التاريخي الذي إستخدمت فيه الحركة الإسلامية طرقا كانت صالحة ومفيدة لوقتها، لكن مع تغير الظروف أضحت هذه الطرق نفسها غير منتجة، بل وأحيانا معوقة .. سنحاول أن نفهم الأوضاع التي نجحت فيها هذه الطرق، وما الذي تغير حتى فقدت قدرا كبيرا من قدرتها على الإنجاز، وكيف أن إستمرارها – بالقصور الذاتي – صار معرقلا للتقدم، وسنلقي نظرة على نوعية القرارات الكبرى المطلوبة، ونحاول تقييم ما اتخذ منها، ونحدد ما الذي لم يتخذ وكان لغيابه أثر في الإنكسار الذي عشناه .. سيكون إتخاذ القرارت الكبرى هو موضوع مقالنا التالي، وستدرك عندها، إذا لم تكن مدركا بالفعل، مدى تنوع المواضيع التي يجب بحثها والمعلومات التي يجب جمعها، الأمر الذي سيقتضي منا الخوض في بعض القضايا النظرية المرتبطة بالتغيير الإسلامي، في الإقتصاد والسياسة والنظم والعلاقات الدولية وغيرها، كي يمكننا دراسة عوامل النجاح والفشل، وقد يبدو هذا كأنه إستطراد خارج سياق البحث عن عن أسباب الفشل، لذلك سأخصص المقالات التسعة الأولى من هذه السلسلة كي أسرد في عجالة وإيجاز مجمل النتائج التي وصلت إليها بعد بحث إستمر لثمانية سنوات، هذه المقالات الموجزة ستعطيك بإذن الله صورة عامة عن الطرح الذي أقدمه، دون التطرق إلى الأدلة والشواهد والبراهين حتى يتسنى لنا الوصول إلى النتائج بسرعة، ثم نبدأ بعدها بإذن الله، على مهل وبتوسع، إن كان في العمر بقية، في عرض تحليلي وشواهدي وأدلتي، وأنتهي بما أحسبه توصيات إستراتيجية جديرة بالإعتبار، وعلى الله قصد السبيل.