منذ 6 سنة | 3505 مشاهدات
أنا شخصيا وجدته من البداية واحدا من أوجه إعجاز القرآن ودلائل نبوة محمد (ص)، دلك العنف الشديد الدي عالجت به آيات سورة البقرة موضوع أكل الربا: حرب من الله ورسوله، والحرب من الله مفهومة، نزع البركة في الدنيا والعقوبة في الآخرة، أما الحرب من الرسول فهو القتال، لدلك قال المفسرون أن آكل الربا يستتاب، فإن لم يتب قتله إمام المسلمين .. لمادا توقع أقصى العقوبة على جريمة لم يكونوا وقتها يرون فيها تلك الأضرار الجسيمة؟ .. ما الحكمة؟ .. كل المفسرين القدامى الدين راجعت عندهم تفسير هده الآيات قالوا أن العقوبة سببها أن الله حرم الربا، وهو يحكم في ملكه بما يشاء، وهدا صحيح قطعا، ولكن في كل المحرمات الأخرى نلاحظ تناسبا بين ضرر الجريمة وخطورتها وبين العقوبة التي تقرر لها، ويسهب المفسرون في بيان دلك، أما في عقوبة أكل الربا فقد بدا أنهم عجزوا عن ملاحظة هدا التناسب، فسكتوا عن الكلام في الحكمة.
تعال ننظر إلى الموضوع من واقع ظروف المجتمعات الإسلامية الأولى وفهم الفقهاء والمفسرين وقتها لمسألة الربا.
كان الربا يعد نقيصة أخلاقية في أغلب الحضارات القديمة بإعتباره إستغلالا لحاجة الفقير، ولكن الوضع عندنا مختلف، فمجمل أحكام الإسلام لم تكن لتسمح أصلا بإستغلال حاجة الفقير، فهو يستحق نصيبة من سهم الزكاة، وإن لم تكف الزكاة فإن نفقته على عاتق أقاربه الموسرين، يحكم له بها القضاء إن لم يعولوه طوعا، ثم هي على عاتق المجتمع كله، الدولة من مواردها أو المنظمات الأهلية (التي كان أبرزها تنظيم الوقف، ودوره معروف في تغطية ما لم يغطه الآخرون)، فإدا إضطر الفقير بعد كل دلك للإقتراض بالربا فإن كل هؤلاء الدين تقاعسوا عن سد حاجته ينبغي أن يعاقبوا مع المرابي، أو حتى قبله، فكلهم خالف أمر الله، فلمادا إدن يقتل المرابي ولا يقتل الموسر الدي إمتنع عن الإنفاق على قريبه الفقير، بل لا يعاقب بأي عقوبة على الإطلاق، إلا بأن يرغمه القاضي على الإنفاق؟ .. أما التاجر الدي يريد تمويل قافلته فليس مضطرا، وإنما هو يختار بإرادته أن يقترض ليربح، وهو مسئول عن تقديره لأحوال التجارة، وإدا حدث أنه لم يحقق أرباحا، أو خسر، فهو مليء بما يكفي، ولا يحتاج لكل هده الحماية .. في ظروف القرون الأولى لم يكن أمام العلماء إلا أن يقولوا: يصعب علينا فهم الحكمة، لكن هكدا أمر ربنا.
إن كل حالات التحايل على أكل الربا التي وصلتنا قصصها كانت بين التجار ومموليهم، وربا العباس بن عبد المطلب الدي كان أول ما وضعه الرسول (ص) في خطبة الوداع لم يكن قروضا للمحتاجين من الفقراء، فلم يكن العباس وضيعا لهده الدرجة، وإنما كانت تمويلا لقوافل تجارية، ولدلك قال المجادلون: "إنما البيع مثل الربا" فرد عليهم كتاب الله "وأحل الله البيع وحرم الربا" البقرة: 275 .. هكدا قاطعة حاسمة بدون توضيح للسبب أو الحكمة، فما كان لهم أن يفهموها، وكيف كان القرآن سيشرح للعرب أو غيرهم مند 14 قرنا أن هدا التحريم نزل ليغلق الباب على مؤسسات ستقوم بعد أكثر من ألف عام لتفسد الإقتصاد العالمي كله؟
إن هده الشدة والقسوة في منع الربا موجهة إلى عصرنا هدا، إلى نظام البنوك التي عقدت حياتنا وشوهت كل معاملاتنا الإقتصادية دون أن يدرك أغلب الناس دورها في الفوضى الإقتصادية التي نعيشها، وحتى هؤلاء الدين أدركوا لا يمكنهم الإبتعاد عن أضرارها مهما حاولوا، فمن لم يأكل الربا أصابه غبارة، وكلنا نعاني من هدا الغبار عندما نضطر إلى التعامل بتلك النقود الوهمية التي لا تثبت قيمتها على حال، والتي لم يكن ظهورها ممكنا إلا نتيجة لسيطرة البنوك على كل المعاملات المالية.
هدا هو الإعجاز الدي أتكلم عنه، فما كان في مقدور أي إنسان أن يتصور حجم التخريب الدي تسببه معاملات البنوك الربوية، الآن فقط أدركنا أن الخروج من هدا النظام يحتاج إلى كل هدا العنف وتلك الشدة، لأن الكثيرين من الفئات النافدة أصحاب القوة في مجتمعات المسلمين، خاصة رجال الأعمال وأصحاب الأموال، ومعهم الحكام الخاضعين لنفود القوى العولمية، سيحاربون أي محاولة للإنعتاق من هدا النظام الدي يحقق مصالحهم على حساب الغالبية الساحقة من بني البشر، فلابد للقرآن إدن أن يشعر المسلمين بأن الأمر جد خطير، وليس أقل من الحرب من الله ورسوله كي يقتنعوا بأهمية إنشاء نظامهم البعيد عن شبكة البنوك الرهيبة ..
هده مقدمة ضرورية قبل أن نشرع في شرح ما نعرفه من مساوئ نظام البنوك التي تهدد النظام العالمي كله، حتى لا يتصور القارئ أننا نبالغ في تجسيم الخطر، فمعاملة يتوعدنا رب العالمين بالحرب إدا سمحنا بها لابد أن تكون شديدة الخطورة على سلامة البنيان الإجتماعي والإقتصادي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.