الأسباب والنتائج

منذ 5 سنة | 1913 مشاهدات

لم نقع في المأزق بسبب فشل ثورات الربيع العربي، بل على العكس، كان المأزق الفكري أحد أسباب هذا الفشل، ولعله كان السبب المحوري له.

          إذا أردنا عبارة مختصرة لوصف هذا المأزق، والإختصار هنا لا يغني عن التفصيل، لقلنا أنه يتمثل في أن حركة الإحياء الإسلامي جمدت فكريا عند أطروحات روادها في النصف الأول من القرن العشرين، رغم أنها تواجه اليوم تحديات تختلف جذريا عن ما إنتصب هؤلاء الرواد لمواجهته، وكانت النتيجة أكبر من مجرد عجز الحركة عن الوصول لحلول ناجعة للمشاكل العملية، بل وصل الأمر إلى أنها طرحت حلولا أفسدت الفكرة وعكرتها، فأفقدت الجماهير ثقتها في جدوى التضحية في سبيل تمكين القيادات الإسلامية من قيادة التغيير، فقد أتضح أنها لا تمتلك رؤية للتغيير، لا أقول لا تمتلك رؤية واضحة، بل لا تمتلك أية رؤية على الإطلاق.

          ليس هذا جلدا للذات، وإنما هو محاولة للتعلم من دروس الفشل، فتعريف المشكلة تعريفا صحيحا هو نصف الحل .. والمشكلة ليست في قوة الثورة المضادة، لكنها في عجز حركة الإحياء الإسلامي عن تفجير طاقات الشعب للحركة معها ومساندتها والدفاع عنها وهي تعمل على بناء المجتمع الجديد، ذلك أن هذه الحركة لم تقدم لجماهيرها تصورا لهذا المجتمع الجديد يمكن مساندته والدفاع عنه .. لذلك فعندما تم الإنقلاب على المحاولة الإسلامية للتغيير لم نجد الإسلاميون يدافعون عن مشروعهم (الذي لا يعرفونه هم أنفسهم)، فقد كان المطلب الوحيد المتاح هو الدفاع عن شرعية الرئيس مرسي وإعادته إلى السلطة.

          تجلى المأزق واضحا عندما إتجهت القيادات الإسلامية التي تحملت المسئولية، بعد إندلاع ثورات الربيع العربي، إلى تبني نفس السياسات، وإستخدام نفس الأجهزة والأدوات، التي كانت تتبناها وتستخدمها الأنظمة التي قامت الثورات عليها، وكأنما كانت هذه الثورات تهدف إلى مجرد إزاحة بعض الفاسدين، والواقع أن الجماهير الثائرة كانت تمتلك وعيا جمعيا قويا بطبيعة التحدي الحضاري الذي تواجهه الأمة (وهذا الوعي هو بالتأكيد نتاج لنجاح الجيل الأول من رواد الحركة الإسلامية)، وأن المشكلة ليست فساد شخص أو مجموعة أشخاص، وإنما في عدم ملائمة الهياكل الإجتماعية والإقتصادية والسياسية لبناء المستقبل، الذي كانت هذه الجماهير تريده إسلاميا، وتدرك أن أسلمة الواقع هدف أبعد من مجرد إستبدال حكاما فاسدين بآخرين متدينين.

          سنتابع في المقالات القادمة بإذن الله عرض تفاصيل هذا المأزق في أهم تجلياتها، وليس مهما أن نتفق الآن على الحلول، القضية الأكثر إلحاحا هي أن نتفق على طبيعة المشكلة، هذه هي الخطوة الأولى في الإتجاه الصحيح .. المشكلة ليست في قوة الثورة المضادة، ولا في عدم فعالية القيادات الإسلامية وإفتقارها لمهارات المناورة السياسية، المشكلة هي في أن الإسلاميين لا يقدمون أطروحات عملية للتغير الإجتماعي والإقتصادي والسياسي على أرضية إسلامية .. ما لم يقدم الإسلاميون أطروحات عملية واضحة ومقنعة فلن تتبعهم الجماهير مرة أخرى.

          "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين" العنكبوت: 69  

شارك المقال