منذ 6 سنة | 3306 مشاهدات
وصل تحليل ماركس إلى أن الرأسمالية تمتلك نزعة لتركيز الملكية في عدد أقل فأقل من الشركات العملاقة، هذه النزعة موجودة فعلا، ولو كانت نزعات الرأسمالية هي المحرك الوحيد للتاريخ فلربما بدت تنبؤات ماركس منطقية ومعقولة، ستلتهم الشركات الكبيرة كل الوحدات الصغيرة والمتوسطة وتحول أصحابها إلى عمال مأجورين لا يملكون إلا قوة عملهم، أي إلى بروليتاريا، وسينمو القطاع الصناعي ليغدو هو المهيمن على الإقتصاد، وتصبح البروليتاريا هي القطاع الأكبر في المجتمع، وطبيعة التنظيم في خطوط الإنتاج الصناعية ستعمل على إكساب هذه البروليتاريا خبرة كبيرة في العمل الجماعي المنظم في تكتلات كبيرة، ثم سينضج وعي العمال ليدركوا أن طبيعة هذا التنظيم الرأسمالي لحقوق الملكية هو سبب بؤسهم وحرمانهم من ناتج عملهم، فيستخدمون قدرتهم الفائقة على تنظيم أنفسهم في مجموعات كبيرة تعمل بإتساق وتناغم للقيام بحركة ثورية يستولون بها على السلطة، وسننقل فيما يلي تصور ماركس لهذه الثورة كما صاغه في البيان الشيوعي (المانافيستو) بنصه تقريبا.
الخطوة الأولى للثورة العمالية هي تشكل البروليتاريا في طبقة حاكمة وإنتزاع الديمقراطية.
تستخدم البروليتاريا سيطرتها السياسية لتنتزع من البورجوازية شيئا فشيئا رأس المال كله، ولتركز جميع أدوات الإنتاج بين يدي الدولة، أي البروليتاريا المنظمة في طبقة حاكمة، ولتنمي كمية القوى المنتجة بأقصى درجة ممكنة.
في البداية لا سبيل لتحقيق ذلك بطبيعة الحال إلا بالإنتهاك الإستبدادي لحرمة حق الملكية ولعلاقات الإنتاج البورجوازية، أي بتدابير تبدو من الزاوية الإقتصادية ناقصة ومهزوزة، ولكن بإمكانها أن تتجاوز نفسها في مجرى الحركة، وهي تدابير لابد منها لقلب نمط الإنتاج كله رأسا على عقب، ومن البديهي أن تختلف هذه التدابير تبعا لإختلاف البلدان.
غير أنه في الإمكان تطبيق التدابير التالية تطبيقا عاما جدا في البلدان الأكثر تقدما:
1 – نزع الملكية العقارية وتخصيص الريع العقاري لتغطية نفقات الدولة.
2 – فرض ضرائب باهظة وتصاعدية. [يضرب عصفورين بحجر: يزيد موارد الدولة وفي نفس الوقت يضعف قدرة البورجوازبة على مراكمة رأس المال]
3 – إلغاء حق الإرث. [وهو مطلب محوري للشيوعية، حتى تفقد الملكية الخاصة جزءا كبيرا من أهميتها، وحتى لا يرث أبناء البورجوازين ثرواتهم]
4 – مصادرة أملاك جميع الفارين والعصاة.
5 – تركيز القروض في يد الدولة بواسطة بنك وطني يعود رأسماله للدولة ويتمتع بإحتكار كامل.
6 – تركيز جميع وسائل النقل بيد الدولة.
7 – مضاعفة المصانع الوطنية وأدوات الإنتاج وإحياء الأرض الموات وتحسين الأراضي الزروعة حسب خطة شاملة. [في جميع التجارب الشيوعية إتضح أن هذا كان هو الهدف الأكثر صعوبة .. كان ماركس فيلسوفا ولم يكن مهندسا]
8 – العمل الإلزامي للجميع، وإنشاء جيوش إلزامية من أجل الزراعة خاصة.
9 – الملائمة بين الإستثمار الزراعي والصناعي، وإتخاذ الدابير اللازمة لمحو الفوارق بين الريف والمدن تدريجيا.
10- مجانية التعليم العام لجميع الأطفال، إلغاء تشغيل الأطفال في المصانع بشكله الراهن، وتوحيد التعليم مع الإنتاج .. إلخ.
وما أن تختفي في مجرى التطور الفوارق بين الطبقات، وما أن يتجمع الإنتاج كله بين أيدي الأفراد المتشاركين، حتى تفقد السلطة العامة طابعها السياسي، إذ أن السلطة السياسية هي، بالمعنى الدقيق للكلمة، السلطة المنظمة لطبقة لقهر طبقة أخرى، فعندما توحد البروليتاريا نفسها بحكم الضرورة، خلال صراعها مع البورجوازية، في طبقة، وعندما تنصب نفسها، بثورة، طبقة حاكمة، وبصفتها هذه، تقضي بالقوة على علاقات الإنتاج القديمة، وبهذا القضاء تقضي في الوقت نفسه على شروط وجود الصراع الطبقي، وعلى وجود الطبقات بصفة عامة، وتقضي بالتالي على سيطرتها الطبقية نفسها.
وعلى أنقاض المجتمع البورجوازي القديم بطبقاته وتناحراته الطبقية تقوم جمعية يكون التطور الحر لكل فرد فيها شرطا لتطور جميع الأفراد.
إنتهى الإقتباس من البيان الشيوعي.
ويبقى السؤال: لماذا لم تسر الأمور على هذا المنوال في الثورات الشيوعية والنظم التي أقامتها؟