ماركس وشيوعيته

منذ 6 سنة | 1800 مشاهدات

يتصور الكثيرون أن ماركس هو الذي اخترع الشيوعية، هذا تصور بعيد تماما عن الصحة.

          المجتمع الشيوعي هو ذلك الذي تختفي فيه الملكية الخاصة (تكون ملكية كل الأشياء شائعة بين كل الأفراد)، فلا أحد يختص نفسه بشيء يمنع عنه الآخرين، الكل يتعاون في العمل لتوفير ما يحتاجه المجتمع ثم يشتركون في إستهلاك ناتج عملهم .. بهذه الطريقة عاشت بعض العشائر البدائية التي يرتبط أفرادها جميعا برابطة الدم، وعاشت بعض المجموعات المسيحية الأولى، بل أن وثائق البحر الميت التي يرجع تاريخها إلى قرنين قبل الميلاد تحكي لنا عن جماعة يهودية عاشت في مجتمع شيوعي، يتنازل فيها العضو بمجرد إنضمامه عن كل ممتلكاته للجماعة ويعيش الجميع يعملون معا، وفي عصر النهضة ظهر دعاة لشيوعية الملكية، إشتهر منهم أسماء مثل سان سيمون وبابيف وتوماس مور، وحاول بعضهم إقامة هذا المجتمع، لكن محاولانهم كلها باءت بالفشل.

           وبعض التنويريين، وليس كلهم بالطبع (التنويريون، أو مفكري الاستنارة، إسم يطلق على مجموعة المفكرين والفلاسفة الذين قدموا الأساس الفكري لإسقاط النظام الإقطاعي والملكيات المطلقة في أوروبا،  وهم الذين مهدت أفكارهم لقيام الثورة الفرنسية) كانوا يصرحون بأن إنقسام المجتمع إلى من يملكون ومن لا يملكون هو نظام فاسد، وأن الملكية الخاصة هي منبع كل الشرور الاجتماعية، وأفرزت أحداث الثورة الفرنسية بعض القيادات التي نادت بأن إلغاء الإقطاع يجب أن يقود إلى الملكية الجماعية للأرض، بل وكل وسائل الإنتاح، لكن هذه الدعوات كانت تنطلق من أرضية عاطفية أو أخلاقية، يحركها بؤس الجماهير والرغبة في إلغاء استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وتؤمن بأن البشر يولدون أخيارا بفطرة سليمة تحضهم على التعاون الخلاق في إدارة أمورهم، لكن الأوضاع الإجتماعية الفاسدة هي التي تتلف هذه الفطرة، ومن أشهر هؤلاء "برودون" الذي سبق ماركس، وظل إتجاهه نشطا لفترة طويلة وحمل إسم "الأناركية"، وخاض معه ماركس صراعا فكريا وعقائديا حول أسلوب التحول إلى المجتمع الشيوعي.

          ما الذي جعل الشيوعية إذن تقترن بإسم ماركس لدرجة أن غالبية الناس تفترض أن كلمة "شيوعي" تعني بالضبط ما تعنيه كلمة "ماركسي"؟ .. قبل ماركس كانت الدعوة إلى إقامة المجتمع الشيوعي تفترض أن كل المطلوب هو الإجهاز على الدولة التي تمثل سلطة ملاك الثروة وأداتها في قمع الجماهير، وبعدها فإن الناس، تدفعها فطرتها الطيبة، ستتمكن بشكل ما من إيجاد نوع من النظام الذي يتعاون فيه كل المنتجين دون أن يستغل أحد منهما الآخر، أما ماركس فقد قدم تحليلا للنظام الرأسمالي وللقوى الإجتماعية التي تتفاعل فيه، وحاول أن يفهم القوانين التي تحكم هذه التفاعلات، وتصور أنه اكتشف هذه القوانين، وصدقة عدد كبير من الناس، وهذه القوانين تقول أن المجتمع في حركته المستمرة إلى الأمام سيصل حتما إلى الشيوعية، وأعلن ماركس أن مجمل أفكاره يمثل نظرية علمية تفسر الواقع تفسيرا صحيحا، وهي تساعدنا من ثم على التعامل معه بكفاءة .. تابعه البعض ورفضه آخرون، لكن الفضل يعود إلى مواهب لينين التنظيمية والحركية، التي مكنت حزبا ماركسيا من الوصول إلى السلطة في روسيا عام 1917، مما عزز من مصداقية الماركسية لدى معظم الرافضين للنظام الرأسمالي، وظلت الماركسية تتصدر الميدان في مقاومة الرأسمالية بلا منازع لأكثر من سبعة عقود.

  من بين الأفكار والفلسفات التي ذاعت منذ عصر النهضة لم تحظ واحدة بمثل ما حظت به الماركسية من اهتمام، ولعلها تفردت أيضا بصفة أخرى، فالناس منقسمون حولها إلى أنصار متحمسون إلى حد الإستشهاد في سبيلها أو خصوم رافضون لها مستعدون لعمل كل شيء في سبيل النجاة منها، وحتى سبعينات القرن العشرين كان من النادر أن يتخذ منها أحد موقفا وسطا، فيقول مثلا: أن ماركس كان مفكرا ذكيا حقا، أصاب وأخطأ، له نظرات ثاقبة في بعض المسائل، وعالج بعضها الآخر بسطحية لا تليق بمفكر، وأخطأ في جوانب من فكره أخطاءا فاحشة .. وكاتب هذه السطور، وإن لم يعد نفسه بين المفكرين، يتخذ هذا الموقف الأخير .. لكن الحق أن الماركسية تفردت دون سائر النظريات بأنها زعمت لنفسها العلمية، بينما هي لم تكن – بمعايير العلم المجردة – نظرية تحاول فهم الواقع والتنبؤ بمآلاته بقدر ما كانت محاولة لتقديم تبرير نظري لهدف يتبناه ماركس وأنصاره مسبقا ويرغبون في الوصول إليه .. سنعود إلى هذه النقطة بتفصيل أكبر بعد أن نعرض الخطوط العريضة لأفكار ماركس حسب فهم لينين لها.

Generic placeholder image
عادل الجندى || adel.elgendy@gmail.com

سلام الله عليكم , نريد أن نتكلم عن المال والملكية فى الاسلام, حتى لا يظن أننا نروج للشيوعية أو الماركسية. حنى لا تلعب العقول.

شارك المقال