منذ 7 سنة | 3456 مشاهدات
إقتفى الفلاسفة "المسلمون" أثر الفلسفة اليونانية في صورتها التي وصلت إليهم عبر الترجمة، وتلمح لدى بعضهم، الفارابي على الأخص، إضافات عن الأفلاك هي من تأثير الصابئة، أما فلاسفة التصوف فقد أضافوا إضافات عديدة من الفلسفة الهندية، لن ننشغل باختلافهم في بعض التفاصيل، فما يهمنا هو العناصر التي تمثل الهيكل العام لما أطلقوا عليه إسم "الفلسفة"، فهذه هي التي تصدى لها علماء المسلمين، وهو التصدي الذي فسره الدكتور فؤاد زكريا وأضرابه بأنه كان حملة على استخدام العقل، ونريد نحن أن نبرهن على أنه كان حملة على سوء استخدام العقل.
يبدأ الفلاسفة المسلمون بصفة عامة من تصور أرسطو للإله بعد أن اختلط بأفكار الأفلاطونية الحديثة، وهو إله لا يريد شيئا ولا يفعل شيئا، ولأنه واحد فلا يمكن أن يصدر عنه إلا واحد، وعندما تعقل الإله نفسه صدر عنه العقل الأول، وهذا بدوره تعقل نفسه وتعقل الإله فصدر عنه عقل ثان ونفس وفلك، وهذا العقل الثاني صدر عنه عقل ثالث ونفس وفلك، وهكذا حتى وصلوا إلى العقل العاشر، وبعدها توقف صدور العقول والنفوس والأفلاك يبدأ الكلام عن موجودات الطبيعة، ولا يقولون لك لماذا توقف صدور العقول والنفوس والأفلاك عند هذا الحد ولم يتوقف قبل ذلك أو بعده، والأسخف من ذلك هو أنهم حاولوا التوفيق بين هذه الأفكار يونانية الأصل وبين عقائد الإسلام (ربما ليؤكدوا أنهم مازالوا مسلمين بعد كل هذا الهراء)، فقال بعضهم أن الفلك التاسع، آخر الأفلاك صدورا، هو عرش الرحمن، وقال آخرون أن النفس هي اللوح المحفوظ وأن العقل هو القلم، وأخذ بعضهم يحسب الكائنات السماوية، فوجد أن عندهم عشرة عقول وتسعة نفوس (ولا تدري لماذا لم يدخل الأفلاك في الحساب)، مجموعهم تسعة عشر، فأعلن أنهم هم التسعة عشر الذين قالت سورة المدثر أنهم عند سقر، والعقل العاشر هو جبريل .. وفي الواقع أن إطلاق مثل هذه الأسماء الإسلامية على على مفردات الإفلاطونية الحديثة هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يربط هؤلاء الفلاسفة بالإسلام، لكن موضوعنا هو عن مدى ارتباطهم بالتفكير العقلي.
كان تنزيه الإله عند فلاسفتنا، كما كان عند أرسطو، يوجب أن ننفي عنه كل فعل، فأي فعل إلهي معناه أن الإله قد انشغل بشيء آخر غير التفكير في ذاته، فحتى هذا العقل الأول لم يخلقه الإله لأنه اراد أن يخلقه، بل فاض عنه أثناء عملية تعقله لنفسه، والإله لا يجوز أن يتدخل في أي شأن من شئون العالم، ولو حتى بإثابة الطائعين وعقاب العصاة، فالثواب والعقاب معناهما أن الإله شغل نفسه بمراقبة أفعال العباد، ثم انفعل بها، فكان الجزاء رد فعل منه لأفعال الناس، وهذا لا يليق بالكمال الإلهي عندهم، لذلك فإن تدبير شئون العالم هو مهمة العقول والنفوس والأفلاك التي اخترعوها لتقوم بذلك، ويختلف الفلاسفة في طريقة توزيع الأدوار بين سكان العالم السماوي، لكنهم في جميع الحالات يضعون إلههم على كرسي الملك الذي يملك ولا يحكم ويترك إدارة الدولة لوزراءه ومستشاريه، ومع وجود كل هذا الجمع الهائل من الكائنات الميتافيزيقية التي لها إرادات مستقلة وقدرات تكوينية تتحكم بها في المصائر يقولون أن هذا هو التوحيد الخالص والتنزيه الكامل، ورغم أنهم لم يأتوا بأية أدلة، لا عقلية ولا سمعية ولا بين بين، يسمون كلامهم "عقليات"، ثم يأتي عالمانيونا في القرن العشرين ليلوموننا على أننا احترمنا عقولنا وأردنا أن ننقي فكرنا من هذه الترهات ونلقي بها في صندوق القمامة.