منذ 7 سنة | 3958 مشاهدات
يؤمن العالمانيون أن الدين هو علاقة شخصية بين المرء وربه، ولا ينبغي له أن يتدخل في العلاقة بين الناس وبعضها، ويعطون لأنفسهم الحق في أن يسنوا القوانين بمعزل عن الأحكام الشرعية، ويرون أن ما يسنونه أفضل مما جاءت به الشريعة، ونحن لا نمانع في أن يعلنوا رأيهم هذا بكل صراحة ووضوح، فقد أمرنا كتابنا أن نقول لهم هاتوا برهانكم، ثم ندخل معهم في حوار هادئ لنقيم عليهم الحجة، وبعدها فكل واحد حر "وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .." الكهف: 29، لكن ما يثير الغيظ هو أن يصر بعض هؤلاء العالمانيين على أن يحشر كلامه داخل دائرة الإسلام، شعرت بذلك عندما قرأت في صحيفة يومية مصرية حوارا مع شخص وصفته بأنه مثقف عالماني تونسي، قال فيه أن التعديلات التي تكلم عنها السبسي توافق روح الإسلام، ولو كان محمدا (ص) موجودا بيننا لأقرها [!!] .. ما هذا الهراء السخيف؟ .. لماذا يهرفون بما لا يعرفون؟ .. إن روح الإسلام نعرفها من نصوصه، خاصة ما كان منها قطعي الثبوت قطعي الدلالة، فلسنا نحن الذين نقول لله سبحانه وتعالى ما الذي ينبغي أن يكون عليه الدين، ومقترحات السبسي هذه تخالف آيات قطعية صريحة لا تقبل التأويل، وما كان الرسول (ص) ليخالف نصوص القرآن، الآن أو في وقت، فعلماء الحديث متفقون على أن الرواية مهما صح إسنادها لا يمكن أن تقبل عن رسول الله (ص) إذا خالفت آية من القرآن، ويحكمون بأنها مكذوبة لم يقلها الرسول.
هذا يذكرنا بافتكاسة للدكتور نصر حامد أبو زيد قالها منذ حوالي ربع قرن في نفس الموضوع، فقد أتحفنا سيادته برأي مفاده أن العرب في الجاهلية كانوا لا يورثون المرأة على الإطلاق، فلما جاء الإسلام ورثها نصف الرجل، وكان هذا تقدما واضحا بالتأكيد، وإذا سرنا في نفس الإتجاه مع "روح الإسلام" وأهدافه وتقدمنا بالأمر إلى الأمام فلابد أن نزيد نصيب المرأة شيئا فشيئا حتى يصبح مساويا لنصيب الرجل .. وقتها قلنا أن هذا هزل في موضع الجد، وهو يشبه أن يقول البعض أن الناس كانوا أيام الجهل يظنون أن القمر لا يبعد عن الأرض إلا بضعة كيلومترات قليلة، فلما تقدم العلم واخترعنا طرق القياس الدقيقة عرفنا أنه يبعد حوالي ربع مليون كيلومتر، فإذا تمشينا مع روح التقدم العلمي فإن علينا أن نزيد هذه المسافة كل فترة بضعة كيلومترات .. ما يقول بهذا عاقل، فما كنا نقوله قبل العلم كان خطأ، وبالعلم عرفنا الحقيقة وانتهى الأمر، وبالمثل: ما كان يشرعه الجاهليون بغير علم كان خطأ وظلما، فلما نزل الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه عرفنا الحق والعدل وانتهى الأمر.
وقتها أثار العالمانيون لغطا شديدا، وضمن ما قالوه أن هذا هو اجتهاد الرجل فلماذا تحجرون عليه الاجتهاد؟ .. هذه قضية تحتاج لمقال آخر.