منذ 7 سنة | 1565 مشاهدات
حاولت في مقالي السابق "بين الدعوي والسياسي" أن أوضح الفروق بين النشلط الدعوي والعمل السياسي، وكيف تفرض هذه الفروق إختلافات في الهياكل التنظيمية وأساليب العمل وفي طرق استقطاب الأعضاء والأنصار وفي الخبرات والمواهب والمواصفات المطلوبة لتولي المواقع القيادية، وذكرت أنني وصلت في كتابي "الإسلاميون والديموقراطية" عام 2009 إلى نتيجة مفادها أن الجماعات الإسلامية العاملة في المجال السياسي سيكون عليها، إذا تغير النظام السياسي باتجاه الديموقراطية، أن تتحول إلى أحزاب سياسية، لكن ما حدث بعد ثورة يناير المجيدة أن كل واحد من الفصائل الإسلامية، تقريبا، أنشأ حزبا سياسيا موازيا لتنظيمه الأصلي، ولما كان موضوعنا هو تجربة الإخوان المسلمين فسنقصر كلامنا هنا على الجماهة وحزبها.
أعترف الآن أني كنت على خطأ، وكان الإخوان على حق في عدم التحول إلى حزب سياسي والإبقاء على تنظيمهم العريق بكل تراثه وتاريخه وخبراته وهياكله وقياداته في مجال الدعوة، فالدعوة في جوهرها هي عمل تربوي وثقافي واجتماعي، وتحول النظام السياسي إلى الديموقراطية لا يعني أن نهضة الشعب المصري وتقدمه لم تعد في حاجة إلى هذا العمل، فما زلنا نحتاج إلى جهود كبيرة في إعادة بناء الشخصية المصرية التي اهترأت وفقدت الكثير من مقوماتها في العقود الأخيرة بالذات، وفي تجديد ما يحتاج إلى تجديد من ثقافتنا الإسلامية لتواجه تحديات العصر ومستجداته، وفي إعادة هيكلة العلاقات الاجتماعية وتطوير العمل المدني ليستجيب إلى تعاليم الإسلام، والحزب السياسي بطبيعته سيعجز عن القيام بهذه المهام الضرورية والتي تعد شرطا جوهريا لعودة الحياة إلى هذه الأمة .. كان يجب على جماعة الإخوان أن تستمر في الوجود بشكلها التقليدي الذي نجح في القيام بهذا النوع من المهام وقطع فيه شوطا بعيد المدى .. لكن هل كانت على صواب عندما أنشأت حزبها السياسي؟
قامت جماعة الإخوان المسلمين في الأصل لتغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية باتجاه الاستجابة لتعاليم الإسلام ومرجعيته الفكرية والأخلاقية والتشريعية، هذا هو مبرر وجودها، والمشكلة أن هذا التغيير لا يمكن أن يتم إلا إذا كان في الحكم رجال يؤمنون بضرورته وقادرين على القيام به، أولا لأن هذه العملية تحتاج لاستخدام أدوات لا تملكها إلا السلطة التنفيذية ولا يمكن القيام بها بدون دعم السلطة التشريعية، وثانيا لأن هذه العملية لا يمكن إنجازها إذا كان الرجال الذين يملكون السلطة التنفيذية والتشريعية غير راغبين فيها ويعملون على عرقلتها، ولا يمكن الوصول للحكم إلا من خلال العمل السياسي المنظم، أي بواسطة انتظام الساعين إليه في هيئة حزب سياسي .. كان هذا على الأرجح هو التحليل الذي استندت إليه قيادة الإخوان عام 2011 عندما اتخذت قرارها بإنشاء حزب سياسي ليكون ذراعها السياسية، وليس لمجرد أن القانون يشترط أن يكون العمل السياسي من خلال تنظيمات خاضعة لقانون الأحزاب، ومع أني أتفق تماما مع جوهر التحليل، إلا أني وجدت لدي المبررات للإعتراض على هذا القرار، لمصلحة الهدف المشترك لكل العاملين على إحياء الممارسات الإسلامية في الحياة العملية، ولقد كتبت مبرراتي وأرسلتها لمن أعرفهم من الإخوان في ذلك الوقت، وقد أضافت خبرة العمل السياسي في العامين التاليين مبررات أخرى عززت قناعاتي بخطأ قرار إنشاء حزب الحرية والعدالة .. وهذا يحتاج إلى مقال آخر.