9- إعتساف معاني للآيات .. لا هو تفسير ولا هو تأويل

منذ 1 شهور | 7998 مشاهدات

يعاني الشيعة من أنهم لا يجدون ما يعدونه القضية الأهم والركن الأول للدين في القرآن، فحاولوا البحث عن آيات يمكن أن يجدوا فيها إشارة إلى الوصية والإمامة والمهدي الذي سيخرج في آخر الزمان، ولعلك سمعت البعض يقولون أن للشيعة تفسيرهم الخاص لبعض الآيات، لكنك ستكتشف أنه مجرد كلام مرسل، فالتفسير إما أن يعتمد على آيات أخرى في نفس الموضوع وردت فيها تفاصيل أوسع، أو على تفسير الرسول (ص)، أو على فهم للصحابة والعلماء الراسخين يعتمد على معاني الألفاظ كما كانت في زمن التنزيل، لن تجد في الأمثلة التي سنوردها أي من ذلك، سيقولون لك: حسنا، ليس تفسيرا، لكنه تأويل، وكان التأويل يخول لكل أحد أن يقول ما يشاء، هذا ليس صحيحا، فللتأويل ضوابط إذا لم تتوافر يجب الإلتزام بالمعنى الظاهر المتبادر، وهناك 3 شروط يصر الأصوليون على توافرها وإلا كان قولا فاسدا لا قيمة له:

  • أن يكون اللفظ محتملا، ولو من بعيد، للمعنى الذي يؤول إليه، ولا يكون غريبا عنه.
  • أن يكون ثمة موجب للتأويل، كأن يكون ظاهر النص مخالفا لقاعدة مقررة معلومة من الدين بالضرورة، أو متعارضا مع نص آخر أقوى منه في السند أو في الدلالة.
  • ألا يكون التأويل من غير سند، بل لابد أن يكون له سند مستمد من السبب الذي أوجبه.

والمعاني الثي يذهبون إليها، ولا تتحقق فيها هذه الشروط، إما تدعي وضعا خاصا لآل البيت يفوق سائر البشر ليبرر الصفات الخارقة التي ينسبونها لهم، أو تزعم أن الخطاب القرآني غير موجه للأمة، وإنما للأئمة المعصومين ليكونوا هم وحدهم المخولون بفهمه وتفسيره وترجمته إلى أوامر ونواه وأحكام، وما على المسلمين إلا تولي الأئمة وإتباع فهمهم، بالإضافة إلى محاولة إستخراج الوصية بالخلافة لعلي والمهدوية للثاني عشر.

بزعم مفسروهم وجود آيات تصف مقامات آل البيت (مصطلح آل البيت يحصرهم في فاطمة وعلي والحسن والحسين (رض) ونسلهم)، مثلا في قوله تعالى: "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ .." النور: 35‏ .. المشكاة هي السيدة فاطمة، المصباح هو الحسن، والزجاجة هي الحسين، وفي: "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ" الكوثر: 1 .. الكوثر هو السيدة فاطمة، وغير ذلك مما يدعون أنه إشارة إلى مقام لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل حسب قول الخوميني.

   ويرى علماء السنة أن الآيات التي تتحدث عن المؤمنين، وأهل الذكر، والمهتدين، والمتقين، والصادقين، إنما تشير إلى جماعة المسلمين، لذلك يضعون ثقتهم في الأمة وحقها في أن تدير شئونها وتختار قياداتها، بينما يستبعد الشيعة الأمة من هذا الخطاب ويرون أن الآيات تتحدث عن آل البيت وحدهم.. ففي آيات مثل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" التوبة: 119 .. الصادقون هم الأئمة .. "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ  .." التوبة: 105 .. المؤمنون هم الأئمة .. "... إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ " الرعد: 7 .. الهادي هو الإمام .. وفي قوله تعالى: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا .." البقرة 143 وقوله:  "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ .." آل عمران: 110 ينقلون عن جعفر الصادق: "لن يعني الله الذين تظنون من همج هذا الخلق، ولكن عني الله الأمة التي بعث فيها محمد: علي وفاطمة والحسن والحسين .. وبهذه الطريقة فكلما قال القرآن: "يا أيها الذين آمنوا" قالت الشيعة أن المخاطبون هم الأئمة من آل البيت، أما كل من آمن بالله ورسوله في مشارق الأض ومغاربها فلا يدخل في أمة الإسلام إلا إذا تولى الأئمة، فيصبحون مؤمنون بالتولي.

           وهم يتبعون أساليب مدهشة ليدعوا وجود مبشرات بخروج المهدي من السراب: "وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ..ٌ" البقرة: ‎١٤٨‏ روى الكليني عن الباقر أن المخاطب بها هم أصحاب المهدي, "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ .." فصلت: ‎٥٣  روى الكليني: سيتبين الحق بخروج المهدي .. "وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ" ص: ‎٨٨  أي عند خروج المهدي .. ""قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" الإسراء: ‎٨١ أي إذا ظهر المهدي زهقت دولة الباطل .. "يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ" ق: ‎٤٢ عن يوم خروج المهدي .."هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ .." التوبة: ‎٣٣  أي ليظهر المهدي .. "وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ،فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُون" ‎الأنبياء: 11-12 .. روى الكليني عن الباقر: إذا قام القائم هرب بنو أمية من الشام إلى الروم، فيلحق بهم أصحاب المهدي، فيطلب الروم الصلح، فيقول أصحاب المهدي لا نفعل حتى تردوا إلينا أصحابنا .. إلخ

   أما الآيات الي يرون إنها تنص على خلافة علي (رض) فمشهورة، وتفنيد أهل السنة والمعتزلة لتأويلاتهم فيها معروفة، أهمها: ".. إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" الأحزاب: 33 .. و: "إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِير"ٌ ‎التحريم: 4 .. سيجد القارئ المهتم مناقشة مستفيضة لهما في كتاب "الإسلام وفلسفة الحكم" للدكتور محمد عمارة.

    هذه المعني التي لا علاقة لها بلغة العرب نكتسب مصداقيتها عند الإثنا عشرية لأنهم ينسبونها إلى الأئمة المعصومين الملهمين من آل البيت، خاصة محمد الباقر وجعفر الصادق، فأقوالهم لها عند الإمامية نفس حجية الأحاديث النبوية عند السنة.

هذا الإنحراف في التفسير نجده بنفس الدرجة وأشد عند متصوفة السنة ونتعايش معه، فلا معنى لجعله عائقا أمام التحالف السني الشيعي في معركة المصير التي نخوضها، بإستثناء تلك التفسيرات التي تحرم الأمة من حقها في مارسة سلطتها وتعطي للأئمة صلاحيات مطلقة، فقد إستغلها الخوميني ليركز السلطة بصورة خطيرة في يد المرشد الأعلى بصفته نائبا للإمام، وهي مسألة سنزيدها تفصيلا عندما نتكلم عن نظرية ولاية الفقية بإذن الله.

 

 

  

شارك المقال