منذ 2 شهور | 1625 مشاهدات
لم يتناول القرار الأخير (راجع المقال السابق) إلا الأراضي الفلسطينية التي إحتلت في يونيو 1967، هذه المساحة هي تقريبا نصف المساحة التي حددها قرار التقسيم، سنحاول أن نتعرف في هذا المقال على التداعيات التي أدت لهذا الموقف، الذي لا علاقة له بالقانون الدولي ولا بقرارات الأمم المتحدة نفسها، ونراجع المسار الذي قاد الأنظمة العربية، بل ومنظمة التحرير الفلسطينية، إلى التوقف عن المطالبة بالأراضي التي إحتلتها إسرائيل عام 1949، توطئة لعرض المسار الذي نقترحه للتعامل مع هذا الوضع إلى أن يتم إعادة توحيد فلسطين من النهر إلى البحر مستفيدين من كل القرارت الأممية في دعم المراحل المختلفة للتحرير.
عند صدور قرار التقسيم لم تكن العصابات الصهيونية تسيطر إلا على حوالي 7% فقط من أرض فلسطين التاريخية، فرفض الفلسطينيون القرار الذي أعطى اليهود 55% من أرضهم، وتنادى المخلصون من أبناء الأمة بضرورة إقامة حكومة عربية لعموم فلسطين ودعمها سياسيا وماليا وتسليحها لتقوم بالدفاع عن أرضها، لكن الأنظمة العربية، ولأسباب لم تعد خافية، عرقلت جهود إقامة هذه الحكومة، وبدلا من ذلك أعلنت الدول السبع المستقلة وقتها أنها ستتدخل بجيوشها للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ونصحت المواطنين بمغادرة الأراضي موضع النزاع كي يتجنبوا المجازر الوحشية المروعة التي كانت تقوم بها عصابات الصهاينة (بدلا من تسليحهم للدفاع عن أنفسهم كما كانوا يريدون)، على أن يعودوا إلى منازلهم بعد النصر، لكن هذه الجيوش التي كانت تحت القيادة العامة للجنرال الإنجليزي "جلوب باشا" [!!!] منيت بهزيمة مريبة، بسبب الخيانات المتعددة، وبسبب أنها لم تكن أصلا معدة للقتال، وتمكن الصهاينة من الإستيلاء على مساحات أكبر مما أعطاهم قرار التقسيم (أنظر في العنوان خريطة 1949) قبل التوقع على الهدنة في رودس (وحدها العراق لم توقع، فهي رسميا في حالة حرب مع إسرائيل) .. لاحظ أن الشعب الفلسطيني لم يكن ممثلا في أي شيء، لم تكن له كتائب تقاتل تحت راية فلسطين، ولم يكن له ممثلين في التوقيع على إتفاقية الهدنة، بل أن الأراضي التي تبقت من حصتهم في التقسيم لم تعط لهم، بل وضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية والضفة الغربية تحت الإدارة الأردنية.
ظلت الأنظمة العربية ترفع شعار "تحرير فلسطين من النهر إلى البحر" إلى أن وقعت كارثة يونيو 1967، فتغير الشعار إلى "إزالة آثار العدوان"، أي الإقتصار على المطالبة بالعودة إلى خط هدنة عام 1949 .. من المفهوم أن تخجل الدول المهزومة من الإستمرار في المطالبة بإزالة الدولة المنتصرة، ولكن من غير المفهوم أن تتجاهل إحتلالها لجزء من الأراضي التي تعد – من وجهة نظر القانون الدولي - جزء من دولة فلسطين العربية .. أصبحت مصر تطالب بشبه جزيرة سيناء، وسوريا تطالب بالجولان، أما الضفة والقطاع فقد أصبحتا الآن مسئولية منظمة التحرير الفلسطينية التي أعلن العرب أنها الممثل القانوني الوحيد للشعب الفلسطيني، في هذه الظروف بدا كأننا إرتضينا حدود 4 يونيو 1967 كحدود لدولة الفلسطينيين، مع أنها في الواقع ليست إلا خط وقف إطلاق النار عام 1949.
بعد وقف إطلاق النار في أكتوبر 1973 قرر السادات أن الظروف قد نضجت لبدء مفاوضات السلام مقابل إستعادة الحقوق العربية، ودعا الحكومة السورية ومنظمة التحرير الفلسطينية لحضور أولى الجلسات في القاهرة، ولما لم يحضرا أعلن السادات أنه قد قدم لهما فرصة فأضاعاها، لكنه سيستمر في طريقه للحصول على أرضه .. كان هذا إعلانا مصريا بإنتهاء حالة "الصراع العربي الإسرائيلي"، وكل واحد يدور على أرضه، مصر ستتعاطف بالطبع مع منظمة التحرير وهي تواصل الصراع الذي تحول إلى فلسطيني – إسرائيلي، لكنها مشكلتهم وهم المسئولون عن حلها .. بهذه الطريقة أصبح حق فلسطين في نظر العرب، وبالتالي في نظر كل من يريد دعم الفلسطينيين، يقتصر على إستعادة الضفة والقطاع كما كانا في 4 يونيو 1967، وفضل الجميع تجاهل قرار التقسيم.
زاد الأمر سوءا عندما وقعت منظمة التحرر الفلسطينية إتفاقات أوسلو سنة 1993، وقبلت بموجبها نبذ العنف والإلتزام بالمفاوضات كطريق للحصول على الحقوق الفلسطينية، وكمرحلة أولى تقام سلطة حكم ذاتي تحت الإحتلال ذات صلاحيات مبهمة، على أن تترك للمفاوضات التالية الإتفاق على باقي القضايا التي تشمل: وضع القدس، واللاجئين، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية، وحدود الأرض الفلسطينية، والعلاقات مع الجيران الآخرين .. بإختصار تركت كل الأمور الجوهرية لمفاوضات مستقبلية .. وأعلنت قيادة المنظمة أنها قد حققت مكاسب إستراتيجية مهمة [!!]، فقد أقرت إسرائيل لأول مرة بوجود شعب فلسطيني، وبأن لهذا الشعب حقوقا وإن كانت لم تحدد بعد، وتجاهلت الخسائر الإستراتيجية المهولة: فهي قد تنازلت عن الحق الذي يعطية ميثاق الأمم المتحدة للشعب الواقع تحت الإحتلال بالكفاح المسلح لتحرير أرضه، وتنازلت عن كل حقوقها القانونية المستقرة إنتظارا لما تسفر عنه المفاوضات، وإعترفت بأن حدود الدولة الفلسطينية ستتحدد بالإتفاق مع إسرائيل .. رفض عدد من منظمات المقاومة تلك الإتفاقات، ومنها بالطبع حماس والجهاد اللتان لم تكونا ممثلتين في منظمة التحرير من الأصل.
حتى فجر السابع من أكتوبر 2023 كانت حقوق الفلسطينيين ومطالبهم لغزا مبهما بالنسبة للكثير من مناصري الحق الفلسطيني حول العالم، لكن مياه كثيرة جرت في النهر منذ تدفق الطوفان، وغدا من الممكن صياغة مطالب طموحة، وتحديد يمكن قبوله الآن لوقف القتال وتبادل الأسرى مع إعلان المطالب التي نرجو أن يدعمنا المجتمع الدولي لتحقيقها في أجل قريب حتى لا نضطر لمعاودة القتال، وبين حقوقنا القانونية التي سنكون على إستعداد للتحلي بالصبر والدخول في مفاوضات للحصول عليها على مراحل (لاحظ أن لن يعني التنازل عن الحق في الكفاح المسلح إذا إنسدت كل السبل الأخرى) .. لا توجد طريقة سهلة ومباشرة لإستكشاف هذا المسار، وسنحاول بإذن الله التعرف على البدائل الممكنة، وعلى الله قصد السبيل.