منذ 6 سنة | 2401 مشاهدات
لم يقم الرئيس أردوجان وحزبه حتى الآن بأي خطوة حقيقية بإتجاه التغيير الإسلامي لأنظمة الدولة والمجتمع، فهو يفتقر إلى الشرط الجوهري لتحقيق هدا التغيير، وهو أن تكون أغلبية المجتمع راغبة فيه، فحتى الآن مازال أنصار الحل الإسلامي لا يزيدون عن الثلث، وباقي الأغلبية التي يحققها الحزب ترجع إلى نجاحه في حل أهم مشاكل المجتمع والإقتصاد من وجهة نظر ليبرالية (وهو واع بدلك تماما،لدلك يردد دائما أنه رئيس لنظام عالماني).
الحل الإسلامي يعطي الأولوية للإستقلال السياسي والإقتصادي وللعدالة الإجتماعية، وهدا الحل ينطوي على ممارسات ليست هي التي تعطي أعلى معدل لنمو الناتج القومي الإجمالي، لكنها تعمل على تحصين الإقتصاد من أي ضغوط قد تمارسها القوى العولمية للتأثير على سياسة الدولة، كما تهتم بالسياسات والمشروعات التي تتجه إلى رفع مستوى الفئات الدنيا بأكثر مما تهتم بتلك التي تدفع الناتج الإجمالي لأقصى نمو ممكن، فتلك الأخيرة تنحاز لمصالح الأغنياء ورجال الأعمال وتعمل على تراكم الثروة لدى من يملكون رؤوس الأموال، وتفتح المجال لعمل الشركات متعددة الجنسية بدون قيود، فتستحود على نسبة مؤثرة من الإقتصاد، وتخلق روابط بالشركات الأم هي في جوهرها تدعيم للتبعية، ولهدا السبب فإن الحل الإسلامي يتطلب تأييد غالبية المواطنين وقبولهم لفوات بعض فرص الربح مقابل تحسين أحوال الفقراء وحماية الإقتصاد من التدخلات الخارجية.
في الظرف التركي لم يكن أمام حزب أردوجان إلا أن يتبنى الحل الإقتصادي الدي يحقق أعلى ناتج قومي، وقد تمكن من الوصول به إلى ثمانية أمثال ما كان عليه يوم تولى السلطة، لكن بالطبع تمتع الأثرياء بعوائد أكبر مما وصلت للفقراء، ومع دلك فقد شعر الجميع بقدر من التحسن زاد من شعبية الحزب، لا بإعتباره حزبا إسلاميا، ولكن بإعتباره حزبا قادرا على تحقيق أفضل النتائج، ولكن هدا كان يتطلب دمج الإقتصاد التركي في الإقتصاد العولمي، وهو ما أعطى الفرصة للقوى الكبرى لممارسة الضغوط عندما تريد.
ورغم أن النظام التركي الحالي هو نظام ليبرالي لحمة وسداة، فإن مجرد وجود مجموعة لها هوى إسلامي واضح في السلطة يحمل معه إحتمال أن تتجه هده المجموعة إلى إتخاد إجراءات التغيير الإسلامي إدا نضجت الظروف الموضوعية، والغرب كله بصفة عامة يتوجس من هدا الإحتمال ويتحسب له، فهدا التغيير في تركيا سيعمل بالتداعي على خلق كتلة إسلامية مستقلة ومتماسكة في الشرق الأوسط، الأمر الدي سيحد إلى مدى كبير من قدرة القوى العولمية على ممارسة الإستغلال الفظيع لمواردنا وأسواقنا كما هو حادث الآن، لهدا لا يتسامح الغرب مع نمو الإتجاهات الإسلامية كما يتسامح، مثلا، مع الكونفوشيوسية أو البودية في شرق آسيا، تدفعهم لهدا الموقف مصالحهم أكثر مما تدفعهم عقائدهم.
ومن لطف الله بأمة الإسلام (وهو ليس كلام دراويش) أن هدا ال"ترامب" يتسم بالرعونة وقصر النظر، فهو أولا لم يقم بضربة حاسمة قاصمة، وإنما بضربة يمكن التعامل معها، وعندما يتعافى منها الجسم يكون قد إكتسب مناعة يتعدر معها تكرار نفس الضربة، والأهم من دلك أنه قام بها في ظروف غير مواتية له بالمرة، فقد بدأ قبلها بتوجيه عدد من الضربات الأخرى شملت قوى كبرى في الإقتصاد العالمي، الصين والإتحاد الأوروبي وروسيا، وقوى أخرى أقل حجما لكنها قادرة على دعم الإقتصاد التركي، كأيران وقطر، فقطر لم تنس أن ترامب أعطى الضوء الأخضر للسعودية لإحتلال قطر، ولولا تدخل تركيا فلربما تم للسعودية ما كانت تخطط له .. كل دلك أدى إلى أن النظام التركي وجد من الدعم الخارجي ما يعطيه فرصة المواجهة ويوفر له إحتمالات النجاح، فلم تجروء قوى المعارضة الداخلية على المزايدة على أردوجان أو فرض شروطها لدعمه، فإحتمالات تخطي الأزمة بنجاح نسبي – أكرر: نجاح نسبي – ستجعله بطلا قوميا وقف وحده في مواجهه العدو، وستدفع بالمعارضة إلى الظل لفترة طويلة.
النتيجة الأرجح – كما هو واضح – هي أن أردوجان سيتمكن من إحتواء الأزمة بأقل الخسائر الممكنة، الأمر الدي سيمكن تصويره كإنتصار للأرادة الوطنية على محاولات فرض الإملاءات الخارجية، لكن ليس من المحتمل أن يظل مستمرا في إتباع دات النهج الدي كان يتبعه قبل الأزمة، والدي أعتقد أنها جاءته في الوقت المناسب ليبدأ التغيير المبرر المحسوب وغير المستفز، فما هي البدائل المتاحة أمامه؟ .. لنترك هدا لمقال آخر.