slot dana slot gacor slot gacor slot gacor slot gacor slot gacor gampang menang slot gacor gampang menang slot gacor slot gacor link slot gacor
  • slot gacor pastigacor88 slot pulsa slot pulsa slot qris slot qris slot qris slot qris slot gacor slot gacor slot dana
  • أعاجيب يابانية أخرى د. عاصم الفولى - DR Assem Elfouly Assem Elfouly

    أعاجيب يابانية أخرى

    منذ 7 سنة | 4364 مشاهدات

    عندما تبدأ في الولوج إلى دنيا الأعمال ستسمع غالبا من كل الخبراء، الأكاديميين والممارسين، نصائح كأنها من البديهيات، وكلها من نوع أنه لا مجال للعواطف في العمل، فالعمل هو العمل (Business is business)، لا تجامل ولا تتوقع من أحد أن يجاملك، لا تعمل إلا لمصلحتك، فكل واحد من الآخرين لا يعمل إلا لمصلحته .. وأخيرا النصيحة الذهبية: أكتب كل شيء في العقد، فكل ما لم تكتبه سيتم تجاهله، والقانون لا يحمي المغفلين .. وغيرها من النصائح التي تشعرك أن السوق ليس إلا ميدان قتال مغلف بورق سوليفان .. قد تتصور أن هذه هي واحدة من حقائق الحياة التي ينبغي لك أن تتعايش معها أو أن تبتعد عن السوق، في الواقع ليس الأمر كذلك، إنها فقط حقائق السوق الليبرالية الغربية، فقد أثبتت التجربة اليابانية أن ثقافة مختلفة يمكنها أن تخلق علاقات سوق مختلفة تماما، يتعاون فيها مختلف الأطراف ويأخذ كل منهم في اعتباره مصالح الآخرين ويحققون في النهاية أرباحا أعلى ومعدلات نمو أكبر.

              ذكرنا في المقالين السابقين من هذه السلسلة كيف أدت المنظومة الثقافية اليابانية إلى وضع يضمن لكل العاملين اليابانيين –تقريبا – عملا دائما مدى الحياة، وفي هذا المقال نتناول العلاقات التي تقيمها هذه الثقافة على هيئة شبكات بين مجموعات من الشركات لتضمن التعاون والتعاضد بين أطرافها بأقل قدر ممكن من المخاطر والتوتر والمنازعات على أساس من الثقة المتبادلة والإلتزام الأخلاقي، وتسمى هذه الشبكة "كيريتسو"، وهناك نوعان من هذه الشبكات، العمودية التي تضم منتجين ومقاولي باطن ومسوقين لسلعة معينة، والأفقية التي تضم شركات تعمل في منتجات مختلفة تتكامل بينها، وسنبدأ بالكيريتسو الأفقية، فهي الأكثر انتشارا.

              تتكون الكيريتسو الأفقية من عدد من الشركات شديدة التنوع والاختلاف، تشبه سوقا داخلية تعطي الأولوية للتعامل فيها بين أعضائها، وتتمحور الشبكة غالبا حول نواة مصرفية، بنك كبير أو مؤسسة مالية كبرى، تحيط بها شركة تجارة عامة وشركة تأمين وشركة صناعات ثقيلة وشركة صناعات إليكترونية وشركة صناعات كيماوية وشركة نفط وشركة نقل تجاري، بالإضافة إلى العديد من الشركات الصغيرة التي تنتج مختلف السلع الاستهلاكية، ولا ترتبط هذه الشركات معا بأي رباط قانوني، إلا أنها تبقى وثيقة الصلة ويجمعها نظام معقد من الامتلاك المتبادل للأسهم، الأمر الذي يؤدي تلقائيا إلى قيام نوع من التفاهم والثقة المتبادلة بين رؤسائها ومديريها.

              توجد أحيانا في بعض الثقافات الأخرى تجمعات للشركات قد يبدو لك أنها تقترب من الكيريتسو اليابانية، في المجتمعات الكونفوشيوسية – الصين وهونج كونج وتايوان – وفي وسط إيطاليا توجد تجمعات ترتبط ببعضها بروابط عائلية، وتوجد في المانيا أيضا بعض التجمعات الصناعية التي تتمحور حول مؤسسة مصرفية كبرى، لكن نظام كيريتسو الياباني يتميز بعدة خصائص وسمات لا تتوفر في غيره، وتجعله يلعب دورا لا مثيل له في غير اليابان.

              يسيطر نظام كيريتسو على مجمل نشاطات الاقتصاد الياباني، ففي الثقافات الأخرى توجد بعض التجمعات هنا وهناك، لكن في اليابان تنتمي الغالبية الساحقة من الشركات اليابانية الكبرى لواحدة من هذه الشبكات (198 من أكبر 200 شركة)، أما التي لا تنتمي لكيريتسو معين فغالبا ما تكون شركات صغيرة تعمل في مجال الصناعات الحديثة جدا بحيث لم يتح لها الوقت الكافي لإقامة محاور وتحالفات مهمة، ومن جهة أخرى فإن التجمعات خارج اليابان تتكون في المتوسط من خمسة أو ستة شركات، أما متوسط عدد شركات الكيريتسو الواحد في اليابان فحوالي 31 شركة.

              في كل كيريتسو أفقي توجد شركة واحدة على الأقل لكل قطاع إقتصادي، فكل كيريتسو يعمل في كل المجالات تقريبا، ولا يوجد كيريتسو يجمع شركات قطاع اقتصادي معين، أي لا يوجد كيريتسو يمتلك قوة إحتكارية، فيبدو أن السيطرة على السوق من خلال الإحتكار لم تكن من أهداف تكوين شبكات الأعمال، وإنما كان الهدف هو التعاون وتحقيق التكامل لرفع الكفاءة الإنتاجية للجميع، فالشركات في الكيريتسو تفضل التعامل فيما بينها حتى لو لم يكن ذلك مجزيا بالمعايير المادية الضيقة، فالشركة غالبا ما تختار التعامل مع أخرى تنتمي لذات الشبكة وتفضلها على الشركات الخارجية، اليابانية أو الأجنبية، حتى لو اقتضى ذلك دفع أسعار أعلى أو الحصول على منتجات أدنى، كما أن المصارف تمنح شركات شبكتها قروضا مريحة وأقل تكلفة من سعر السوق، وكأنها فعليا شركات فرعية تابعة لها، وهذه العلاقات لا يحكمها إلا الالتزام الذاتي، ولا يدعمها إلا معرفة كل شركة التامة بكل ما يدور في شبكتها، وثقتها بأن واحدة من "شقيقاتها" لا يمكن أن تخدعها أو تتحايل عليها، وإذا وقعت في أزمة فسيخف الجميع لنجدتها.

              أكبر مثال على الطريقة التي يعمل بها الكيريتسو هو ما حدث في الأزمة الخانقة التي واجهت شركة "تويو كوغو" لصناعة السيارات المعروفة عالميا باسم "مازدا"، حين انخفضت مبيعاتها لدرجة خطيرة عام 1974 حتى واجهت خطر الإفلاس، لكنها كانت عضوا في "كيريتسو سوميتومو"، وكان مصرف سوميتومو أحد أكبر دائني الشركة وحاملي أسهمها، وفي أي مكان آخر كان المصرف سيقوم بالحجز على الشركة وتصفيتها وبيع أصولها لاسترداد ديونه، لكن سوميتومو سارع إلى تغيير هيكلية الشركة وأعاد تنظيمها، فأرسل سبعة مديرين وأجبر الشركة على تبني تقنيات جديدة، وفي الوقت نفسه قامت بقية الشركات الأعضاء في الكيريتسو بشراء كل ما تحتاجه من سيارات من مازدا حصرا، كما خفضت الشركات الأعضاء في الشبكة أسعار قطع الغيار التي تنتاجها لصالح مازدا، في حين قدم الدائنون كل التسهيلات المريحة، وهكذا استطاعت مازدا النجاة دون تسريح واحد من عامليها (فقط انخفضت الحوافز والمكافآت في تلك الفترة)، بينما على العكس من ذلك، إضطرت شركة "كرايزلر" الأمريكية إلى إعلان إفلاسها واللجوء إلى حماية الحكومة الأمريكية لمساعدتها عندما واجهت أزمة مماثلة لأزمة مازدا بعدها بعدة سنوات، ولم تستطع الاعتماد على أي من دائنيها أو مورديها لمد يد العون أو المساعدة.

              من وجهة نظر علوم الإدارة وطبقا لكل نماذج إتخاذ القرارات التي تعلمناها فإن القرارات التي اتخذتها الشركات الأعضاء في شبكة كيريستو سوميتومو لإنقاذ شركة مازدا لم تكن سليمة ولا عقلانية، ولن تجد خبيرا غربيا واحدا يوصي باتخاذ مثلها (كما تركوا كرايزلر وحدها عندما مرت بنفس الظروف)، لكن تبقى هذه القضية مثالا واضحا على نوعية التضحيات الطوعية التي تقدمها الشركات اليابانية الأعضاء في أي كيريتسو لصالح الأخرى، الأمر الذي يحفظ كيان الشبكة ويبرر وجودها، وفي نفس الوقت يعطي للإقتصاد الياباني شبكة أمان يواجه بها العديد من الأزمات التي لا يمكن أن يواجهها الإقتصاد الغربي إلا بدفع تكلفة كبيرة وتحمل آلام كثيرة للخروج منها.

              الدرس المستفاد هنا هو أن مجتمعات الثقافات الجمعية، ومنها المجتمعات الإسلامية بالطبع، ليست مضطرة لتغيير نسقها القيمي، القائم على التراحم والتكافل والتعاون، لتتحول إلى مجتمعات فردية أنانية يدخل فيها الكل في حرب ضد الكل، هذا ليس شرطا في تحقيق التنمية، ولا هو مكون أساسي من أخلاق التقدم .. لا يعني هذا بالطبع أن علينا أن نقيم كيريتسو، إنه يعني أن علينا أن نجد الصيغة التي تناسب نسقنا القيمي، كما وجدت اليابان الصيغة المناسبة لنسقها.

    شارك المقال