منذ 7 سنة | 1458 مشاهدات
فاجئتنا جريدة الأهرام يوم الخميس الماضي – الموافق 18 سبتمبر 2014 – بالمانشيت الرئيسي " إستصلاح أربعة ملايين فدان " .. وهو خبر مفاجئ خاصة لو كنت بحكم عملك تتابع مثل هذه الأخبار .. ولو كان الهدف من الخبر هو مجرد إعطاء جرعة من التفاؤل وسط الإخفاقات المتعددة فستقتصر المصيبة على كذبة كبيرة لا تليق بحكومة تحكم شعبا يركب البغال، أما لو كان الكلام بجد وستتخذ إجراءات تنفيذية فنحن إزاء مصيبة من العيار الثقيل .
إن مشروع إستصلاح 400 الف فدان فقط (أي 10% من المشروع المعلن عنه) هو مشروع عملاق بحق ، يتطلب بالإضافة إلى عمليات الإستصلاح إقامة عدد من القرى لسكنى العاملين بالزراعة ، ومدينة مركزية لتوفير الخدمات الإدارية والصحية والتعليمية والثقافية والترفيهية .. الخ للعاملين وأسرهم . هذا المشروع سيخلق حوالي 1.5 مليون فرصة عمل، أي حوالي 6 ملايين نسمة .. عملاق فعلا .. ستتجاوز تكلفته العشرة مليارات جنيه .
لو قال الخبر أن هذه المشروع سيطرح للمستثمرين لهان الخطب ، فهؤلاء المستثمرون يدرسون مشروعاتهم أولا، ولن يقدموا على إنفاق أموالهم إلا بعد الإطمئنان إلى فرص النجاح ، لكن الخبر يقول أن هذه الأراضي ستوزع على فقراء الفلاحين .. كلام جميل .. لكن معناه أن الحكومة هي التي ستمول إقامة المشروع ... هنا مكمن الخطر .
لقد أعلن قائد الإنقلاب أنه في حاجة لعدة مئات من المليارات كي يحل المشاكل التي نعاني منها بدون هذا المشروع، فمن أين يا ترى سيأتي بمائة مليار أخرى ؟!!
المشكلة ليست فقط في التمويل، فلربما يقول قائل لنبدأ بالتمويل المتاح ثم نستعن بالله (سنرد على هذا القائل بأن هذه ليست طريقة لإدارة البلاد، لكن هذا على أي حال يطمئنا على أننا لن ننفق المليارات ثم نلطم الخدود) ، فالمشكلة الحقيقيه هي في المياه .
إن خبراء الموارد المائية لم ينتهوا بعد من لطم الخدود وشق الجيوب على الفقر المائي الذي ستعاني منه الستة ملايين فدان التي نزرعها الآن ، ويضربون أخماسا في أسداسا عما سيفعلونه بعد إنتهاء سد النهضة .. عندنا مشكلة المياه للأرض التي نزرعها ثم نقول سنستصلح ما يوازي 70 % إضافية !!
وقبل أن يسارع أحد فيزعم أن الإستصلاح سيتم إعتمادا على خزان المياه الجوفية الموجود في الصحراء الغربية، نقول أن العبرة ليست بوجود خزان ، لكن الأهم هو المصادر التي تغذي هذا الخزان .. الخزان الجوفي مثل بحيرة سطحية غير مستخدمة ، قبل أن تفكر في الإعتماد عليها يجب أن تسأل نفسك ما هي الكمية السنوية التي ترد إلى هذه البحيرة من الأمطار أو الأنهار التي تصب فيها ، لأنك إذا سحبت منها كميات أكبر مما ترد إليها ستجف هذه البحيرة ويصبح كل ما أنفقته على الإستصلاح في خبر كان.
كاتب هذه السطور بحث من موقعه كمستشار لوزير الإسكان في وزارة الدكتور هشام قنديل عن إمكانيات تعمير الصحراء الغربية إعتمادا على مشروعات إستصلاح كبيرة نعتمد على خزانها الجوفي ، وكانت الإجابة أنه لم تتم دراسة معدلات تغذية هذا الخزان ، ولا يمكن المجازفة بمشروعات عملاقة (كنا نتكلم عن نصف مليون فدان فقط) قبل الإطمئنان على هذه النقطة ، ومن المستبعد أن مثل هذه الدراسة قد تمت في عهد المستشار عطية منصور ولا تكفي لها ثلاثة أشهر بأي حال. هل هذا جرس إنذار ، أم أنه لا حياة لمن تنادي ؟؟!!!