منذ 7 سنة | 1566 مشاهدات
لعلك لن تشعر بأي جديد عندما تسمع عبارة "نحن نؤيد الشرعية ، ولا يمكن ان نقبل أن تتغلب القوة على من جاءت به الصناديق"، فنحن نسمعها كل يوم من رافضي الإنقلاب، لكنك ستشعر ولا شك بالعجب الشديد عندما تسمعها من واحد من ألمع مؤيدي الإنقلاب مثل الدكتور حسن نافعة على قناة الجزيرة، ثم يتضح لك أنه يتكلم عن ليبيا لا عن مصر، ويدافع عن خليفة حفتر لا عن محمد مرسي،أرجو ألا تحاول التساؤل عن الكيفية التي تتغير بها المبادئ حسب الأحوال، فسوف تسمع ذات المعنى يتكرر كثيرا في إعلام الإنقلاب المصري خلال زيارة "الثني" رئيس وزراء طبرق لمصر من إسبوع .. غريبة .. منذ متى يعترض الإنقلابيون على استخدام القوة ضد من جاءت به الصناديق؟ ..ثم ما هي حكاية شرعية حفتر هذه؟ .. أليس حفتر هذا هو نفسه الذي قام بمحاولة إنقلاب فاشلة في ليبا منذ عدة شهور؟ .. فمن أين أتته الشرعية إذن ؟ .. إحتاج مني الأمر لبعض البحث كي أكتشف أن الأمور تسير في ليبيا عكس ما سارت به في مصر في كل شيء تقريبا، مما اضطر إنقلابيي مصر لأن يقولوا عن ليبيا عكس كل ما يقولونه في مصر، ولنبدأ الحكاية من أولها حتى نفهم الوضع، فالموقف خطير وينذر بعواقب وخيمة على كل المصريين في ليبيا، وعلى الوضع العربي بصفة عامة إذا صحت النذر التي تقول أن السلطة في مصر تنوي التدخل عسكريا لدعم قوات حفتر ..
*******
بدأت ثورة 17 فبراير الليبية بمظاهرات سلمية في بني غازي ، فحرك القذافي جيشه وطيرانه لضرب الثوار، لكن الليبين شعب مسلح، فدافع الثوار عن أنفسهم وإنضم لهم بعض فرق القوات المسلحة الليبية، وانتصرت الثورة بقوة السلاح (عكس ما حدث في مصر) .. أظن أن هذا نعرفه جميعا.
تولى السلطة في ليبيا بعد انتصار الثورة مجلس وطني إنتقالي اختاره الثوار لأنفسهم (ثاني عكس)، مهمته وضع الدستور وإجراء إنتخابات برلمانية ثم تسليم السلطة للبرلمان المنتخب لتنتهي المرحلة الإنتقاليةويستكمل نواب الشعب بناء مؤسسات الدولة (ثالث عكس).
قبل الإنتخابات البرلمانية قام العميد المتقاعد خليفة حفتر بمحاولته الإنقلابية التي فشلت بسبب عدم إنضمام قيادة الأركان الليبية وأغلب القوات المسلحة له واستمرار ولائها للمجلس الوطني (رابع عكس)، غير أن قوات حفتر ظلت تسيطر على مدينة طبرق القريبة من الحدود المصرية وبعض الجيوب الأخرى، فقام الثوار الذين لم يكونوا قد ألقوا السلاح بعد بإعادة تنظيم أنفسهم لتطهير البلاد من قوات الإنقلاب (خامس عكس).
أجريت الإنتخابات البرلمانية، لكن صادفتها بعض المشاكل التي أدت إلى تعذر التصويت في حوالي 40% من الدوائر لأسباب عديدة لا تهمنا الآن، وأنقسم الأعضاء المنتخبون إلى فريقين، الأول يضم بقايا نظام القذافي (الفلول الليبية) وبعض الموالين لحفتر، يريد إعتماد النتائج واعتبار أن من تم إنتخابهم هم البرلمان الذي يجب أن يتسلم السلطة (إذ يبدو أن المناطق التي تعذر التصويت فيها هي التي كانت ستعطي أصواتها للثوار)، والفريق الثاني رأي أنه ليس من المقبول تسليم السلطة لبرلمان لا يمثل إلا 60 % من الشعب ، خاصة أن الأغلبية ستكون فيه للفلول، ولجأ إلى المحكمة الدستورية الليبية للفصل في الموضوع، لتقرر هذه المحكمة ما إذا كان هذا البرلمان يمثل الشعب ويجب تسليم السلطة له، أم تستكمل الإنتخابات أولا في الدوائر التي لم يتم التصويت فيها، أم تعاد الإنتخابات بالكامل، وأعلنوا أنهم سيلتزموا بحكمة المحكمة الدستورية (الثوار يثقون إذن في المحكمة – سادس عكس).
بسرعة انتقل أفراد الفريق الأول إلى طبرق وأعلنوا أنفسهم البرلمان الشرعي وعقدوا جلساتهم هناك، بينما أصر أفراد الفريق الثاني (وهم منتخبون أيضا) على عدم دستورية هذا التصرف لأن الدستور ينص صراحة على أن جلسات البرلمان لا يجوز أن تنعقد إلا في العاصمة، بالإضافة إلى أنهم لايثقون في إجتماعات تتم فظل سيطرة قوات حفتر.
تصرف نواب طبرق باعتبارهم أصحاب الشرعية وأعلنوا أن قوات حفتر هي الجيش الليبي الحقيقي، وأن كل من يقاومها هو إرهابي خارج على القانون، وهذا يشمل بالطبع كل فصائل الثوار التي أفشلت إنقلاب حفتر وأهمهما قوات "فجر ليبيا" (فجر ليبيا ليست هي الإخوان كما أن رابعة لم تكن هي الإخوان)، كما شكلوا وزارة جديدة، متجاهلين الوزارة التي كلفها المجلس الوطني باعتبار أن سلطة هذا المجلس قد انتهت بإجراء الإنتخابات، فهم لا يلقون بالا لكل الإعتراضات التي يثيرها الفريق الآخر، وحاولوا استخدام قوات حفتر للإستيلاء على العاصمة طرابلس وعلى العاصمة الثانية بنغازي، لكن محاولاتهم لم تسفر عن نتيجة بسبب تصدي الثوار لهم إصرارا على الإنتظار حتى تصدر المحكمة الدستورية حكمها، ولم تفلح طبعا ضربات الطيران المصرية الإماراتية في مواجهة الثوار، فقد حاولها القذافي من قبل وهم يعرفون كيف يتعاملون معها (سابع عكس).
باقتراب يوم 20 أكتوبر (الثلاثاء القادم) صار وضع برلمان طبرق في غاية الحرج ، فقواتهم لا تسيطر على أكثر من 10% من البلاد ، ومحاولات الأمم المتحدة للتوسط لإيجاد حل للمشكلة بدأت من طرابلس العاصمة، مما أعطى رسالة واضحة بأن المجتمع الدولي ما زال يعترف بالسلطة هناك، ولا يصدق أن البرلمان مضطر للإنعقاد خارج العاصمة بسبب غياب الأمن فيها.
أعلن حفتر منذ ثلاثة أيام أنه سيستولى على بنغازي خلال ساعات، كان هذا ضروريا لخلق أمر واقع عند صدور حكم المحكمة فيضطر الجميع للتفاوض معه حول حل وسط، لكن قواته تعثرت تعثرا كبيرا رغم الضربات الجوية التي قيل أنها جاءت من الطيران المصري ، أنكرت مصر ذلك وبقى أمر هذه الغارات مجهولا (مشيها كده) ولا يعرف أحد من أين جاءت هذه الطائرات.
في آخر مداخلة لواحد من نواب طبرق على قناة الجزيرة أعلن أن أحكام المحكمة الدستورية لا يمكن أن تسري في مواجهة البرلمان المنتخب (ثامن عكس لما حدث في مصر) وأنهم مهما حدث سيظلون هم أصحاب السلطة الشرعية وقوات حفتر هي جيش ليبيا الذي يعد كل مقاومة له إرهابا داعشيا ينبغي على المجتمع الدولي محاربته.
*******
والآن ماذا سيحدث إذا حكمت المحكمة الليبية بعدم دستورية برلمان طبرق؟ إذا تركت قوات حفتر وحدها فلا أمل لها، وسينتهي أمرها قريبا ، فهل سيتدخل الجيش المصري لنصرة "الشرعية التي جاءت بها الصناديق" رغم هذا الحكم؟ .. وهل سيمكن للقوات المصرية أن تنجح فيما فشل فيه القذافي ؟ .. خاصة أن ذلك سيكون من وجهة نظر القانون الدولي عدوان صريح بدون أي غطاء شرعي .
المؤكد أن تدخل الجيش المصري في ليبيا سيدق إسفينا عميقا بين الشعبين ، سيتضرر منه المصريون أكثر مما يتضرر منه الليبيون ، لكن الإحتمال الأخطر وهو ما يتخوف منه الثوار الليبون حسبما أعلنوا على قناة الجزيرة ، هو أن يؤدي التدخل المصري إلى تقسيم ليبيا وفصل منطقة طبرق الغنية بالبترول ، وهم يقولون أن هذا هو هدف السلطة المصرية الطامعة في هذا البترول ..
لله الأمر من قبل ومن بعد.