منذ 7 سنة | 1710 مشاهدات
[أعد هذا التقرير للعرض والمناقشة مع الدكتور طارق وفيق وزير الإسكان في حكومة الدكتور هشام قنديل، لكن تسارع الحوادث حال دون عرضه، لكن موضوعه يظل مهما]
من واقع الاحتكاك بشركات وزارة الاسكان والاشراف على مجالس إداراتها وجمعياتها العمومية [بصفتي مستشارا لوزير الإسكان] خرجنا بنتيجة: إن هذه الشركات لا تضع في اعتبارها أهداف الاستثمار العام، وهي نتيجة يغلب على ظننا أنها تصدق بالنسبة لكل شركات المال العام، فاسبابها منهجية وموضوعية .. وهذا هو موضوع التقرير.
تساهم العديد من الجهات الحكومية أو المملوكة للدولة بحصص في شركات مؤسسة تحت القانون 159 (قانون الشركات المساهمة)، ومن الواضح أن أسلوب الرقابة والتحفيز يجعل هذه الشركات تحيا حياتها المستقلة، دون أن تضع في اعتبارها الفارق بين الشركات التجارية التي لا هدف لها إلا تعظيم ربح أصحاب رأس المال، وبين الشركات التي يؤسسها المال العام لتحقيق أهداف اجتماعية أو استراتيجية.
في النظم الاشتراكية تؤسس الدولة شركات اقتصادية (بل وتؤمم الشركات القائمة) لمجرد تحقيق السيطرة على وسائل الانتاج، أما الاقتصاد الحر، وما نفهمه من مبادئ الاقتصاد الاسلامي، فليس هذا من أهدافه، ويسمح بمساهمة المال العام في الانشطة الاقتصادية لتحقيق أهداف أخرى، أهمها:
أما الصناعات التي لا تنطوي على مخاطر غير اعتيادية، وليست لها حساسيات استراتيجية، ويمكنها تحقيق أرباح معقولة، فينبغي ألا تنخرط فيها الدولة، وتتركها للمبادرات الفردية.
لكن الملاحظ أن الشركات التي يمولها المال العام تعامل، وتتعامل، بنفس منطق الشركات التجارية، ويتم تقييم أدائها باستخدام المؤشرات المالية المعروفة (معدل الربح – نسبة السيولة – حجم الاحتياطيات .. إلخ) ولا تشتمل معايير التقييم التي تستخدمها الجمعيات العمومية أو مجالس الادارات على أي معيار يتعلق بالاهداف الاجتماعية أو السياسية التي من أجلها مول المال العام هذا النشاط في الأساس.
الأمثلة عديدة .. سنضرب مثالا واحدا من واقع المناقشات التي دارت في الجمعية العمومية لشركة الأولى للاستثمار العقاري:
الهدف من انشاء هذه الشركة هو تيسير تبادل الوحدات السكنية بين الأفراد بعد أن شاع نظام التمليك، فالبائع يريد ماله بسرعة، فهو يبيع لأنه يريد التصرف في الثمن، كما أنه لايريد تحمل مخاطر التأخر في السداد، أما المشتري فيريد الشراء بالأجل .. إن تيسيير التبادل هدف مهم، ليس لمجرد إرضاء المتعاملين وخدمتهم، لكن لأن صعوبة التبادل تؤدي لمشاكل عديدة أهمها الاضطرار لشراء وحدة أكبر تحسبا للحاجة المستقبلية، وإرباك علاقة السكن بالعمل، وهذا هو المجال المألوف لمثل هذه الشركات في الاقتصادات التي نعرفها .. وأيا ما كانت أسباب انشاء شركات التمويل العقاري في مصر فمن المؤكد أن تمويل المستثمرين لا ينبغي أن يكون من أهدافها، فالمستثمرون يمكنهم التعامل مع البنوك للحصول على تسهيلات ينقلونها لعملائهم.
ومع ذلك لاحظنا في الجمعية العمومية أن كل التسهيلات التي قدمتها الشركة إما كانت لمستثمرين (حوالة حق المستثمر على المشتري إلى شركة التمويل)، أو لأفراد مشترين لوحدات جديدة من مستثمرين، ولا يوجد ضمن محفظة الشركة تسهيلات لأفراد اشتروا من أفراد، مع أن هذا هو المجال الرئيسي للتمويل العقاري .. فالفائدة من تمويل المشترين من الشركات هو في الحقيقة ترويج عمل هذه الشركات، وهي عملية ينبغي أن تتصدى لها البنوك بضمان البائع، لا أن تستهلك شركة التمويل العقاري كل مواردها فيها.
عندما أثرت هذه الملاحظة في الجمعية العمومية اتضح أن الفكرة غائبة تماما عن المساهمين وعن مجلس الادارة، وكانت الردود كلها تدور حول محورين لا ثالث لهما: الأول هو أن مساهماتهم لا هدف لها إلا تحقيق الربح، وإذا كانت هذه الطريقة في إدارة النشاط هي التي تحقق أكبر ربح فلا تثريب على الادارة، والمحور الثاني هو الاختلاف معنا في هدف الشركة، فقد صرح بعضهم أنه حضر مناقشات تأسيس الشركة وأنها كانت بهدف خدمة المستثمرين العقاريين لا خدمة مشتري الوحدات.
لاحظنا هذا الوضع في كل الشركات التي تابعناها، وعلى الأرجح سنجده في كل الشركات، فهي بعد تأسيسها لا يتم توجيهها بأي طريقة من الطرق لأخذ الأهداف الاجتماعية والسياسية في الاعتبار، فالمؤشر الرئيس للنجاح هو مدى تحقيقها لأرباح، ويتقاضى مجلس إدارتها نسبة من هذه الأرباح، فمن الطبيعي أن يكون همه الأكبر، أو الوحيد، هو تعظيم هذه الأرباح دون النظر لأي أبعاد أخرى.