منذ 7 سنة | 1412 مشاهدات
عندما تسمع الرجل يتحدث في التسجيلات بكلام لا يصح أن يصدر عن قائد عليه أن يحترم شعبه ويحترم حلفائه، وعندما تسمعه فيها يفصح عن عدم إيمانه بالديمقراطية، تقول أن هذا هو المتوقع من عسكري قام بانقلاب، وأن من فضحه هو من سرب التسجيلات، لكن لا يساورك الشك في أنه يعرف أن هذا الكلام لا ينبغي أن يقال للناس، وأنه إنما كان "يفضفض" مع أعوانه الذين هم على شاكلته، ولكنه في العلن لا يمكن أن يقوله، فنحن ما زلنا نذكر الديكتاتور العسكري الأول، جمال عبد الناصر، وكيف أنه لم يمل أبدا من الكلام عن الشعب القائد والشعب المعلم والجماهير التي تعرف جيدا العدو من الصديق .. إلخ، بينما تاريخ حكمه لا يحكي إلا عن قائد فرد لا يؤمن إلا بنفسه.
واحتقاره لدول الخليج في حديث مع مدير مكتبه في غرفة مغلقة شيء، واحتقاره لشعبه وشرطته معا في حديث مع صحفي أجنبي شيء آخر تماما .. تشعر بالعجب عندما تقرأ قوله في حوار على موقع "دير شبيجل" الألمانية ردا على إشارة محاوره للقتل الجماعي لأنصار الرئيس مرسي خلال فض اعتصامي رابعة والنهضة أنه إذا لم تتحرك قوات الأمن لفض هذه التجمعات لفعل المدنيون ذلك بأنفسهم ولسقط عشرة أضعاف من سقطوا .. يا سلام !!! .. هل شعبنا كان سيفعل ذلك؟ .. متى في تاريخه كله، خلال السبع آلاف سنة المكتوبة، تقاتل أبناء الشعب المصري فيما بينهم وأسقطوا آلاف الضحايا؟ .. متى قامت في مصر حرب أهلية؟ .. ألم يجد طريقة أخرى ليبرر وحشية نظامه إلا بأن يتهم شعبه بالهمجية والتخلف؟ .. لقد قالها في ذات الحوار صراحة: "لا أخجل من الإعتراف بأن هناك فجوة حضارية بيننا" .. "الشرطة والشعب في ألمانيا متحضران ولديهما إحساس بالمسئولية" .. أنحن أقل تحضرا من الشعب الألماني الذي أيد هتلر والنازي بشدة وتجاوب بحماس مع دعاواه العنصرية وقاتل بكل إخلاص تحت قيادته ليتسبب في أسوأ مذابح التاريخ (50 مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية) .. وإذا تجاوزنا عن الجهل بالتاريخ يظل هناك السؤال كيف خطر بباله أنه سيتجمل أمام الغرب إذا قال: أنا أقمع شعبي لأنه شعب متخلف يستحق القمع!!!!
حسنا .. الرجل لا يعرف ما يقال وما لا يقال، هذه هي شخصيته وهذه هي ثقافته، و"دير شبيجل" ليست معنية بتحسين صورته أو الدعاية له، فتنشر ما قال كما قاله .. لكن ماذا عن الأهرام المصرية؟ هل هي أيضا غير معنية بصورته أم أن صحفييها هم أيضا أصابتهم حالة من الغباء لم تسمح لهم بإدراك معنى ما يكتبون على لسانه؟ .. وأنا أشير هنا إلى الصفحة الأولى للأهرام يوم الخميس 12-2، حيث كان العنوان الرئيسي للجريدة: "الرئيس: نرسي دولة القانون ونحترم حقوق الإنسان- الشعب ثار على محاولات تغيير هويته واستخدام الديمقراطية لتحقيق أهداف جماعة بعينها" .. العبارة الأولى كذب صريح، لكننا قد نمررها للأهرام، فالكذب لا مندوحة عنه لتحسين صورة الانقلاب، لكن العبارة الثانية لا تفسير لإبرازها بهذه الطريقة .. لا تفسير عاقل على الأقل .. لماذا لم تكف عليها الأهرام "ماجورا" وتستر على رئيسهم؟.
أفهم أن تقول الأهرام مثلا أن الشعب ثار على أخطاء الإخوان، سنختلف معهم هل ثار الشعب حقا أم أنها لم تكن إلا بعض الفئات المعارضة، وهل كانت ثورة أم مجرد مظاهرة استمرت لعدة ساعات ثم انفضت، وهل أخطأ مرسي أخطاء فادحة فعلا أم أنهم وضعوه في ظروف أجبرته على فعل ما فعل وترك ما ترك .. إلخ، نفهم أن تخوض في هذا الموضوع صحيفة تحاول تبرير الانقلاب وتجميل صورته، لكن أن تقول أن الشعب قد ثار على محاولات تغيير هويته فهو كلام يضربصورة الانقلاب ويثير الشك في نواياه .. هل للشعب هوية أخرى غير هويته العربية الإسلامية؟ .. وهل يصدق أحد أن الإخوان مهما كانت أهدافهم سيكون منها تغيير هذه الهوية؟ .. لو قالوا مثلا أن الإخوان كانوا سيحاولون استخدام القوة لإرغام غير المسلمين على الدخول فيما يرفضون الدخول فيه لاعتبرناه ضرب سياسي تحت الحزام، فالإخوان لم يفعلوا ولم نكن لنتركهم يفعلوا، لكنه على أي حال إتهام قد يصدقه البعض .. أما أن يقال أن الإخوان حاولوا تغيير هوية الشعب فليس له إلا معنى من إثنين: إما أن الإخوان غير مسلمين وكانوا يحاولون تغيير هوية الشعب المسلم، أو أن الشعب ليس مسلما فثار على محاولة الإخوان إدخاله في الإسلام .. هل لهذا الكلام معنى آخر كانت ترمي الأهرام إليه واستعصى على فهمنا؟ .. يا مثبت العقل والدين.
أما بقية الجملة، أي استخدام الديمقراطية لتحقيق أهداف جماعة بعينها، فلا شك أن البرلمانيين البريطانيين الذين كان يتحدث إليهم قائد الانقلاب قد ضحكوا في كمهم من سذاجة محدثهم .. فكل الأحزاب في الدول الديمقراطية لا هم لها إلا استخدام الديمقراطية لتحقيق أهدافها ولا يثور عليها أحد، وإلا فما معنى الديمقراطية؟ .. ليس للديمقراطية إلا معنى واحد، هو إعطاء الفرصة للحزب الذي حاز على ثقة الأغلبية كي ينفذ برنامجه الذي يعبر عن أهدافه .. لماذا يثور الشعب على الحزب الذي انتخبه عندما يريد ان ينفذ برنامجه؟ .. وهل اختاره لغير هذا؟ .. وهل يتوقع أحد من الحزب الذي فاز في الانتخابات أن ينفذ برامج الأحزاب الأخرى التي لم يعطها الشعب أصواته؟ .. إذا كان المتحدث جاهلا فيجب أن يكون الصحفي على الأقل مثقفا، ولا نقول وطنيا.