إيد واحدة .. يعني إيه وإزاي؟

منذ 6 سنة | 1131 مشاهدات

في كتابه القيم عن الحركة الوطنية في مصر 45 – 1952 نعى المستشار طارق البشري على الإخوان المسلمين نأيهم بأنفسهم عن حركة الشارع الواسعة التي كانت تقودها اللجنة الوطنية للعمال والطلبة للمطالبة بجلاء الإحتلال الإنجليزي، وكان ذلك بسبب أن هذه اللجنة ضمت في قيادتها – وربما غلب عليها – اليساريون، ورغم أنه في الطبعة الثانية من الكتاب أبدى إدراكه أن دوافع الإخوان لم تكن صادرة عن رغبتهم في مهادنة الإنجليز والسرايا، إلا أنه ظل يراه موقفا خاطئنا، وأصر على ضرورة وحدة كل القوى الوطنية في مواجهة عدوها المشترك، ونحن معه في ذلك، والإخوان اليوم معنا أيضا .. لكن المرء عندما يتابع بياناتهم وتصريحاتهم يغلب على ظنه أنهم يتعاملون مع قضية الوحدة في مواجهة العدو المشترك بحساسية قد تميع مفهوم الوحدة ذاته.

            متى تطرح مسألة وحدة القوى الوطنية؟ .. تطرح عندما يكون هناك عدد من القوى المخلصة في عملها لتحقيق مصالح الوطن لكنها تختلف فيما بينها حول أنسب الطرق لتحقيق هذه المصالح، وتتفق في نفس الوقت على وجود خطر حالي يعوقهم جميعا، سواء كان الخطر من عدو خارجي أو من سلطة محلية تمارس الإستبداد والطغيان وتدمر مقومات التقدم .. في هذه الحالة ينبغي أن تتراجع خلافاتهم بشأن المستقبل، وعليهم أن يتوحدوا لإسقاط خصمهم المشترك الذي يعوقهم جميعا .. وتطبيق ذلك على الواقع المصري الآن هو أن حكم العسكر وطغيانهم، وفي نفس الوقت استجابتهم لتوجيهات العدو الصهيوني الأمريكي، يحول دون الجميع – الإسلاميين والليبراليين والإشتراكيين والقوميين – وأن يعملوا على تحقيق أي تقدم نحو أهدافهم، فإذا كانوا مخلصين حقا لمصالح الوطن فإن عليهم التكاتف لإسقاط حكم العسكر والعودة إلى ديمقراطية حقيقية يتنافسون في ظلها ليحاول كل منهم إقناع الشعب بالمسار الذي يؤمن بجدواه .

            فالإتحاد لا يعني أن نتجاهل الإختلافات التي بيننا، ولا أن يطالب أي طرف الآخرين بالتنازل عن أهدافهم أو شعاراتهم، ولكنه يعني الإتفاق على التعاون لإزالة العقبة التي تواجههم جمعيا، ثم يتجهون بعدها إلى الشعب ليختار هو بإرادته الحرة الإتجاه الذي سيقود مسيرته.

            كانت السطور بعاليه مقدمة لبحث انتهيت من كتابته يوم الثلاثاء الماضي، وكانت بقيته هي محاولة لإقناع الإخوان بأن هذا الذي يشترط علينا أن نتوقف عن رفع شعاراتنا الإسلامية وإلا فلن يعمل معنا لإسقاط الإنقلاب هو في الحقيقة لا يهرب فقط من فكرة الإتحاد، لكنه لا يريد العمل لا معنا ولا منفردا لإسقاط الإنقلاب، وتلويحه بإحتمال الإتفاق مع الإسلاميين هو محض إبتزاز للعسكر، فمعارضته للسلطة القائمة ليست إلا محاولة لتحقيق بعض المكاسب لنفسه في ظل الأزمة التي تواجهها هذه السلطة، والتي قد تدفعها لتقديم تنازلات لكسب حلفاء يقفون معها ضد الثورة الحقيقية التي يمثل الإسلاميون – بكل وضوح – عمودها الفقري.

            ثم جاءت تصريحات حركة 6 إبريل الأخيرة فقطعت جهيزة قول كل خطيب .. فقد أعلنوا بصراحة أنهم لا يريدون تغيير النظام .. لن يشاركوا في إسقاط الإنقلاب .. هم يعترفون بسلطته لكن لديهم مطالب يريدون الضغط عليه لتنفيذها .. هذا هو كل هدفهم .. إنهم لا يرفضون النزول معنا بسبب شعاراتنا، لكنهم يرفضون الإحتكام لإرادة الشعب ويتقدمون بمطالبهم إلى سلطة الإنقلاب لعلها في أزمتها تستجيب لهم وتحقق مطالبهم .. ألا يحق لنا أن نتساءل عن الطريقة التي يمكن أن نكون بها نحن وهؤلاء "إيد واحدة"؟

            ملحوظة:  هذا لا يعني أننا نطالب باقتصار الحراك على الإسلاميين .. بالقطع لا .. هناك من القوى "المدنية" من يريد إسقاط الانقلاب ويرفض التبعية لأمريكا، لكنهم لا يريدون عودة الرئيس مرسي، وهؤلاء هم الذين يجب أن نسعى للتواصل معهم والاتفاق على الطريقة التي يطمئنون بها إلى أن سقوط الانقلاب سيعني رد الأمر إلى الشعب، هو الذي يقرر لنفسه بنفسه الموقف من حكم الرئيس محمد مرسي .. ديمقراطية يعني.

شارك المقال