لماذا اغتالوا الحافي وإخوانه بهذه الطريقة؟

منذ 6 سنة | 1096 مشاهدات

تزخر صفحات الفيسبوك بالأدلة على أنها عملية اغتيال، لكني أرجو القارئ أن يستمع إلى كلام العقيد محمود قطري لقناة الجزيرة (ستجده أسفل الصفحة بعنوان "بالفيديو: خبير أمني يؤكد إغتيال داخلية الانقلاب لقيادات الاخوان")، وهو تعليق على صور منشورة، وأهمية شهادة العميد قطري في أنه أولا رجل شرطة خبير، وثانيا في أنه كان معارضا للإخوان، لذلك تجده يكرر عبارة "إن كانت هذه الصور صحيحة"، ويختم كلامه متمنيا أن تكون صورا مفبركة لأنها إن كانت صحيحة فمعنى هذا أن الأمور في مصر قد وصلت لمرحلة خطيرة جدا.

          وبما أن هذه الصور قد نشرت منذ يومين ولم يخرج علينا حتى الآن أي تصريح رسمي أو شبه رسمي ينفي صحتها، وحيث أني وكل من في مصر المحروسة على بقين بأن مصدر هذه الصور (ما دامت صحيحة) لا يمكن إلا أن يكون هو الأجهزة الأمنية، فلا أحد غيرها يمكنه دخول مسرح الجريمة والتصوير فيه بهذ السهولة، فمن حقنا إذن أن نعتبر أن تفسير العميد قطري للعملية بأنها إغتيال هو التفسير الصحيح الذي لا يمكن التشكيك فيه.

          لن نعيد الكلام عن الدلائل التي استند إليها كل من قالوا أن هؤلاء الشهداء كانوا في يد الأمن فعلا ثم تم قتلهم بدم بارد، فهذا تكرار لا داعي له ويمكن للقارئ أن يجدها بسهولة في أماكن أخرى، فما يهمنا هنا هو محاولة فهم لماذا تمت العملية بهذه الطريقة؟

          من الواضح أن هذه المجموعة كانت في يد الأمن قبل يوم أو يومين من الحادث، وكان من الممكن، مثلا، تصويرهم ومعهم كمية من الأحراز المفتخرة، عبوات ناسفة وأجهزة تفجير، حبذا لو كانت من نفس النوعية التي استخدمت في حادث هشام بركات، ومعها تشكيلة من الأسلحة الأخرى، وأن يكون مكان الواقعة كهف في الجبل أو موقع في الصحراء لتأكيد أنهم إرهابيون قراريون، وتقديمهم لمحاكمة سريعة (وعسكرية كمان) تحكم باعدامهم وينفذ الحكم بسرعة (وفقا لتعديلات الزند) .. هذا سيناريو كان من الممكن طبخه على نار هادئة قبل إعلانه، حتى لو استغرق ذلك أسبوعا كاملا، وسيصل إلى نفس النتيجة .. ويمكننا تصور سيناريوهات أخرى عن مطاردة في الصحراء وسيارات دفع رباعية وأشياء أخرى أكثر إثارة .. لماذا إذن هذه القصة السخيفة المفضوحة؟

          لا نملك إلا احتمالات، ناقشتها مع بعض الأصدقاء، لكن كلها تثير من الأسئلة أكثر مما تقدم من أجوبة.

          لو راجعت كلام العقيد قطري لوجدته يشير إلى أن أمن الدولة تمتلك خبرة جيدة منذ التسعينات في عمليات التصفية التي يتم إخراجها إعلاميا بطريقة جيدة، بحيث أنك عندما تريد تكذيب الرواية الرسمية لا تستطيع الاعتماد أبدا على أخطاء في الصور أو تناقض في الروايات .. إذن لو كان الهدف هو تصفية هؤلاء في الظلام فإن أمن الدولة يملك الخبرة اللازمة للتغطية على هذه التصفية وإظهارها إعلاميا على أنها كانت مواجهة مع إرهابيين .. هل نفترض إذن أن تقديم هذا السيناريو الساذج لم يكن على سبيل الخطأ، بل كان مقصودا حتى يمكن فضحه بسهولة كما حدث بالفعل، فيكون ذلك إعلانا مرغوبا فيه عن بدء مرحلة التصفية الجسدية للإخوان خارج نطاق القانون بهدف تحقيق أقصى حالات الردع لكل الإخوان والمتعاطفين معهم حتى يخمد الحراك الثوري تماما .. لكنها فكرة شديدة الغباء ومحفوفة بالكثير من المخاطر على النظام الحاكم نفسه.

فإذا كان الثوار المصريون في الخارج – الإخوان وغيرهم – يستخدومون أحكام الإعدام المسيسة بكفاءة عالية لفضح الإنقلاب وتعبئة الرأي العام ضده (زيارة ألمانيا مثال جيد) فما بالك بالإعلان عن بدء عمليات تصفية بدون حتى محاولة زخرفتها بطلاء قانوني؟ .. وإذا كانت أحكام الإعدام لم تردع قادة الإخوان فهل ستردعهم هذه التصفيات؟

ربما لايكون الهدف هو ردع القادة ولكن ردع الشباب .. لكن هؤلاء الشباب لم تردعهم عمليات التصفية بالرصاص الحي في المظاهرات، فلماذا ستردعهم التصفية في شقق 6 أكتوبر؟

إذن دعونا نفكر في أن الهدف هو فعلا استفزاز شباب الإخوان حتى ينخرطوا بشكل صريح في أعمال العنف المسلح، لقد كنا نتخوف من هذا الاحتمال منذ فترة، فهل تنجح هذه العمليات الآن في إخراج الشباب من قبضة القيادات التي كانت تحاول جاهدة إقناعهم بالاستمرار في الثورة السلمية؟ (راجع مقال عصام تليمة: الإخوان وقتل النائب العام)، ربما يتحقق فعلا ما كنا نخشاه جميعا ويصل الانقلاب إلى هدفه.

لكننا نعاود التفكير: لو كنا مكان الانقلابيين لتريثنا قليلا في متابعة تنفيذ هذا المخطط، فقد جدت في سيناء أمور تتطلب ذلك .. اتضح أن تنظيم الدولة قد طور من نفسه ليصبح خطرا حقيقيا يستحق أن يتفرغ له الانقلاب، لا أن يعمد إلى خلق جماعات أخرى تمارس العنف المسلح داخل القاهرة نفسها .. ثم لماذا نتوقع أن ينشيء شباب الإخوان مجموعاتهم الخاصة الساذجة التي يسهل على الانقلابيين السيطرة عليها وتحجيم تأثيرها؟ .. ألا يوجد احتمال أن يتصلوا بتنظيم الدولة لينسقوا معه ويستفيدوا من خبرته ومن إمكانياته؟ .. هذا احتمال مرعب، بل مدمر، لكنه قائم .. من الذي يجازف بالوصول إلى هذا الوضع؟ .. هذا لا يمكن تصديقه حتى لو صدقنا أن هذا الانقلاب عميل صهيوني يريد تدمير مصر، فليست هذه من الطرق التي يطمئن إليها الصهاينة، فمن يضمن لهم أن شباب الإخوان لن يؤثروا على تنظيم الدولة (يزيدوا عدده ويوفروا له حاضنة في كل أرجاء مصر، ومن جهة أخرى يعملوا على تهذيب أفكاره لتصبح أكثر قبولا للمصري العادي) ثم ينتصر تحالفهما ليقيم دولة حقيقية تحظى برضاء نسبة معقولة من المصريين تسمح لها بالاستمرار؟ .. الصهاينة ليسوا بهذا الغباء ولن يسمحوا بذلك.

كل هذه احتمالات تقوم على افتراض وجود قدر كبير من الغباء عند الانقلابيين، نحن نعرف أنهم لا يتسمون بالذكاء الشديد، لكن من المستبعد أن يكونوا على هذه الدرجة من الغباء .. يتبقى احتمال بعيد لكن دعونا نطرحه .. لنفترض أنهم كانوا يحققون معهم لتلفيق قضية يحيلونها للقضاء، فاستفز صمود أحد الإخوان معذبيه فتهور وقتله، ولما كان الباقون شهودا فقد قتلوهم أيضا، وواقعة القتل يمكن إثبات موعدها بدقة، لذلك لم يعد هناك وقت لطبخ الغطاء الإعلامي على مهل، فتصرف الضباط المستجدون دون أن يرجعوا لأصحاب الخبرة من طهاة الأغطية الإعلامية في التسعينات، لذلك ظهرت العملية بهذه السذاجة العبيطة .. هل هذا معقول؟ .. بصراحة هذا سيكون عكا من الطراز الأول، لكنه ليس أبعد عن المعقول من أي من الاحتمالات الأخرى.

نعود الآن لعنوان المقال: لماذا اغتالوا الحافي وإخوانه بهذه الطريقة؟ .. بصراحة: لا أعرف.

شارك المقال