المسلمون والوحدة الوطنية

منذ 6 سنة | 1147 مشاهدات

كثيرا ما يُتهم الإسلاميون بأنهم في سعيهم لإقامة نظام إسلامي يقوم على تطبيق الشريعة إنما يضربون الوحدة الوطنية، على أساس أن هناك من أبناء الوطن من لا يؤمنون بهذه الشريعة، ويعارضون من ثم تطبيقها، وبناء على ذلك فإن على الإسلاميين أن يتخلوا عن مطلبهم حرصا على المصالح العليا للوطن.

          ونحن بدورنا نتساءل: ما الذي يضر بالوحدة الوطنية عندما يطالب فريق من المواطنين ببناء النظم السياسية والاقتصادية والقانونية للدولة على أسس يعارضها فريق آخر؟ .. لماذا لا يشهر هذا الاتهام في وجه اليساريين أو الليبراليين أو القوميين أو غيرهم من الاتجاهات الأيديولوجية مع أن كل منهم يطالب ببناء نظم الدولة على أسس يعارضها الآخرون؟ .. أليس إذا وصل اليساريون، وخاصة الماركسيون منهم، إلى السلطة فإنهم سيقيمون نظاما تقوم فيه الدولة بتوجيه الفاعليات الاقتصادية، وسيحجمون، أو يقضون تماما، على السوق الحرة؟ الأمر الذي سيضر ضررا بليغا بمصالح الرأسمالية، فلماذا تسمح كل النظم الديمقراطية لقوى اليسار المتعددة أن تنشيء أحزابها وتمارس الدعاية النشيطة لأفكارها، وتسعى للوصول إلى السلطة، وتصل إليها أحيانا (فرنسا واليونان أبرز الأمثلة) ولا يرون في ذلك أي مساس بالوحدة الوطنية؟ .. لماذا الإسلاميون فقط يحرمون من حقهم الديمقراطي في إنشاء أحزابهم والدعاية لأفكارهم، حتى إذا أقنعوا الجماهير ووصلوا إلى السلطة أقاموا نظامهم؟

          إن التيار الغالب في الحركة الإسلامية المعاصرة يتبنى فكرة إنشاء النظام الإسلامي على أسس ديمقراطية: يعرضون أنفسهم على الجماهير، فإذا حصلوا على ثقتها وأصبحوا هم الأغلبية فإن البرلمان الوطني، كأي برلمان آخر، سيسن القوانين التي تترجم برنامج الأغلبية، ثم تطبقها أجهزة الدولة بحياد تام على كل المواطنين دون تفرقة، مع الأحذ في الاعتبار أن النظام الإسلامي بالذات (وهو أمر غير موجود في الديمقراطيات الغربية) لن يسمح لنفسه بأن يلزم غير المسلمين بالانصياع لقوانين تخالف عقائدهم (كما يبدو واضحا الآن في حالة قوانين الأحوال الشخصية) .. ما العيب في هذا؟ .. كيف ستتضرر الوحدة الوطنية؟ .. خلال نصف قرن من ممارسة كاتب هذه السطور للعمل السياسي لم يسمع أي رد موضوعي واحد على هذه التساؤلات، ومع ذلك يستمرون في الإلحاح على فكرة أن الأحزاب الإسلامية ستضر بالوحدة الوطنية.

          أما إذا كان المسلمون هم الأقلية في المجتمع فإنهم سينصاعون للقوانين التي تسنها الأغلبية، ولن يطالبوا إلا بحقهم في الدعوة لدينهم، وألا يرغَموا على ممارسة شيء ترفضه عقيدتهم، فإذا استجابت لهم الأغلبية فهم مواطنون مخلصون لهذا الوطن ومدافعون عن مصالحه إلى آخر مدى.

          وإذا حرمتهم الأغلبية من حقهم في الدعوة لما يؤمنون بأنه وحي السماء فإنهم سوف يظلون يطالبون ويطالبون ويطالبون، ولن يمنعهم هذا من أن يعيشوا كمواطنين صالحين لا يخرجزن على القوامين ولا يقومون بما يضر الوطن.

          لكن إذا أرغمتهم الأغلبية على القيام بشيء ترفضه شرائع الإسلام فليس لهم أن يقبلوا بأي حال، وهذا لن يترجم أبدا إلى شن حرب على مواطنيهم، فما يأمرهم به الإسلام هو أن يهاجروا من هذا الوطن إلى مكان يمكنهم فيه أن يأمنوا على دينهم، وإلا كانوا ظالمين لأنفسهم "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم، قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم، وساءت مصيرا" النساء: 97.

شارك المقال