هل نتَبِع موسى أم هارون؟

منذ 6 سنة | 1165 مشاهدات

لو سمعتها من خطيب واحد لقلت موظف أوقاف قليل العلم أخطأ في فهم الآيات، أما وقد سمعتها عدة مرات خلال الأسابيع الماضية فيبدو أنها إفتكاسة تم تعميمها بمعرفة مسئولي الوزارة، وبات من الواجب أن نتوقف عندها.

          الخطبة مثال ممتاز لتوضيح كيف يكون ضرر الاستدلال بالدليل الخطأ أكبر من نفعه، فهي تدور حول أهمية الاتحاد ونبذ الخلافات جانبا، وتستدل على ذلك بموقف هارون (ع) عندما اتخذ بني إسرائيل العجل في غياب موسى (ع)، ولا أدري من أين جاءهم أن هذا الموقف دليل على أن الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نتجاهل كل أنواع الخلاف وننطلق في حياتنا كأن شيئا لم يكن، بينما قراءة القصة لنهايتها يصل بالقارئ إلى عكس ما يريدون تماما.

          إن كل ما يذكرونه هو أن هارون قال لموسى: "..خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي" طه: 94، ويأخذون منها أن الموقف الشرعي الصحيح هو تجاهل الخلاف حتى لو كان في أصل العقيدة حرصا على وحدة الأمة، ولو أنهم قرأوا الآيات التي قبلها والتي بعدها لانقلبت الصورة.

          فهارون لم يرض، ولم يقبل، ولم يسكت "ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به، وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري" طه: 90، (ودعك مما تقوله التوراة من أن هارون هو الذي سكب لهم العجل بنفسه، فهذه من تحريفات الكتبة التي كذبها القرآن)، وما أغضب موسى منه هو أنه بعدما قال ما قال لم يحرك ساكنا ووقف في انتظار عودة موسى، مع أن سكوته كان عن عجز وخوف أمام من يصفهم بالأعداء والظالمين، فعندما نزل موسى من الجبل ".. ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه، قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين" الأعراف: 150.

          أما موقف موسى (ع)، الذي لم يكن مجرد نبي ينقل إلى القوم رسالة من ربهم، إنما كان بالإضافة لذلك القائد السياسي والرجل المسئول عن الجماعة، فقد توجه للسامري الذي صنع العجل "قال فاذهب فإن لك أن تقول في الحياة لا مساس، وإن لك موعدا لن تخلفه، وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا، لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا، إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو، وسع كل شيء علما" طه: 97 – 98.

          هذا هو ما فعله موسى عليه السلام، نسف الصنم ورفض بقاءه وسط الجماعة المؤمنة، أما الذين أرادوا تحريف العقيدة وزعموا أن هذا العجل هو "إلهكم وإله موسى" فقد اتخذ منهم موقفا شديد القسوة "وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتختذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم قتاب عليكم، إنه هو التواب الرحيم" البقرة: 54.

          هذا هو باختصار ما يقوله القرآن عن قصة بني إسرائيل مع العجل، وعن موقف موسى وهارون عليهما السلام ممن فعلوا هذه الفعلة الشنيعة، أما الموقف الشرعي من الخلافات العقائدية مع أصحاب الأديان الأخرى، والطريقة التي يرشدنا الإسلام إليها كي يتعايش المسلمون وغيرهم في مجتمع يضم بين أبنائه من لا يؤمنون بالإسلام فقضية تستحق مقالا مستقلا.

شارك المقال