متى أصبح الشيعة كفارا؟ .. الخوف على عقائد العوام، أم على كراسي الحكام د. عاصم الفولى - DR Assem Elfouly Assem Elfouly

متى أصبح الشيعة كفارا؟ .. الخوف على عقائد العوام، أم على كراسي الحكام

منذ 2 ايام | 706 مشاهدات

المكان الطبيعي للمقال هو ختام السلسلة، لكن اللغط الشديد الذي أثاره البعض بعد العدوان الإسرائيلي على إيران، فذهبوا إلى تحريم مجرد التعاطف مع إيران، ولو من باب أن عدو عدوي صديقي، بزعم أنهم كفار يستوون مع الصهاينة في عدائهم للمسلمين، إستدعى التعجيل به.

لن أتناول الجدل الفقهي، فهناك بالفعل آراء لعلماء من السنة يبدو فيها تكفر للشيعة الإمامية، ويستند أغلب المعاصرون لأقوال لإبن تيمية أطلق فيها الكلام، مثل: من قال كذا فقد كفر، أو: هذا كفر، لكن هذا الإطلاق ينبغي التعامل معه بحذر: هل هو من باب تكفير جنس مقولات معينة قد توجد مع وجود الإسلام، أم هو تكفير مخرج من الملة، خاصة وأن لإبن تيمية أقوال أخرى تقطع بأن الإثنى عشرية مسلمين، كقوله: "وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير وإنتفعوا بذلك، وصاروا مسلمين مبتدعين، وهو خير من أن يكونوا كفارا" (مجموع الفتاوى 13\96)، ويقول في سياق كلامه عن الإسماعيلية "الإمامية الإثنا عشرية خير منهم بكثير، فإن الإمامية مع فرط جهلهم وضلالهم فيهم خلق مسلمون ظاهرا وباطنا، ليسو زنادقة منافقين، لكنهم جهلوا وضلوا وإتبعوا أهواءهم"، والأكثر حسما هو ما أورده الأستاذ منصور الهجلة في مقال له على الرابط https://www.fnoor.com/main/articles.aspx?article_no=9299   "فخلاف علماء الإمامية عند إبن تيمية ينقض الإجماع، ما داموا يرجعون فيه إلى استدلال من الكتاب والسنة ؛ ويعلل ذلك بأنهم من الأمة المحمدية، بل يعلله أيضا بأنهم من المؤمنين، ويرد على من لم ير الاعتداد بخلافهم بقوله: "فإذا كان اسم المؤمنين وأمة محمد يتناولهم، ولهم نظر واستدلال، ولهم دين يوجب قصدهم الحق، لم يبق وجه لمنع الاعتداد بهم"، هذا لفظ إبن تيمية، أما مصدره فكتاب "الرد على السبكي"  لم يُطبع بعد وسيخرج قريبا.

دعنا إذن لا نخوض في الكلام النظري وماذا قال فلان وكيف رد علان، ولنقتصر على المواقف العملية من أحداث لا يمكن تأييدها أو السكوت عليها لو كان الإمامية كفارا.

عرضنا في المقال السابق موقف الأزهر، قلعة السنة الأشعرية، من الفقه الجعفري، وكيف يعدونه مذهبا إسلاميا، ويعزز هذا قبولهم بزواج شاه إيران من أخت ملك مصر، وإنخراطهم النشط في جهود التعايش بين السنة والشيعة تحت عنوان "التقريب بين المذاهب الإسلامية"، أما الوهابية (السلفية) فإن أكابر علمائهم، محمد بن إبراهيم وعبد العزيز بن باز والفوزان وإبن عثيمين وغيرهم، في الفترة التي كان للوهابية فيها سطوة كبيرة على آل سعود، لم يبد منهم أي إعتراض على السماح للحجاج الإيرانيين بأداء المناسك، بالتأكيد لو كانوا يعدونهم خارجين عن الملة ما سمحوا لهم، فقطعية تحريم دخول الكفار إلى الحرم المكي ثابتة منذ نزلت سورة براءة.

دعنا نعرض الحدث الأشهر والأهم الذي يؤكد أن موقف مجمل علماء الأمة يرى أن الشيعة الإمامية، رغم كل بدعهم وإنحرافاتهم، هم مسلمون من أهل القبلة، لهم علينا حق النصرة ، بل ويكيلون المديح والثناء لهؤلاء الذين قاتلوا دفاعا عنهم.  

أتكلم هنا عن حكام الشام في النصف الثاني من القرن الثاني عشر نور الدين محمود زنكي ونائبه صلاح الدين الأيوبي، وكلاهما عرف بشدة التدين والورع، ومن رافقهما من أكابر علماء عصرهم: العز بن عبد السلام والقاضي الفاضل وإبن قدامة المقدسي وإبن عساكر وإبن الأثير والعماد الأصفهاني وغيرهم، الذين أيدوا دفاعهم عن الدولة الفاطمية الإسماعيلية، وكيف أن أحدا من علماء المسلمين المعتبرين، حتى يومنا هذا، لم ينكر دخولهم في خدمتها ليصلحوا الفساد الذي تسبب فيه الوزراء الخونة.

والإسماعيلية فرقة إمامية إنفصلت عن الإثنا عشرية بعد وفاة جعفر الصادق وإعتقدوا بإمامة إبنه الأكبر إسماعيل (توفي إسماعيل في حياة أبيه، لكن هؤلاء أصروا على أنه لم يمت وأن الإمامة في نسله)، وإمتدت دولتهم من المغرب العربي إلى ساحل الشام، وأسسوا القاهرة وبنوا الجامع الأزهر، وهم أكثر شططا من الإثنى عشرية، وسلخوا دولتهم عن الخلافة السنية، وصراعهم مع الأتراك السلاجقة، حماة السنة والمدافعين عن الخلافة العباسية، من أهم أسباب إضعاف قوة المسلمين وتمكين الحملة الصليبية الأولى، عام 1096، من دخول ديارنا.

في 1098 فرض الصليبيون حصارا على إنطاكية، فأرسل إليهم الفاطميون يعرضون التحالف ضد السلاجقة على أن تكون إنطاكية للصليبيين وبيت المقدس للفاطميين، ورغم هذا الموقف المخزي لم يتردد نور الدين محمود، وهو الأمير السلجوقي، في إرسال قواته بعدها بعدة عقود لمواجهة الغزو الصليبي لمصر.

وفي عام 1164، خلال الصراع بين الوزيرين الفاطميين "ضرغام" و"شاور"، إستقوى الأول بعموري ملك بيت المقدس الصليبي وإستنجد الثاني بنور الدين الذي أرسل حملة بقيادة أسد الدين شيركوه يعاونه إبن أخيه صلاح الدين، إنتصر شيريكوه على ضرغام الذي قتل، عندها إنقلب شاور وتحالف مع عموري لإخراج شيريكوه (خشي الخبيث أن يلتف المصريون حوله، أما عموري فسيرونه على الدوام عدوا)، حوصر جيش الشام بالقرب من بلبيس، فهاجم نور الدين الأراضي الصليبية في الشمال ليضغط على عموري، وإنتهى الموقف بالإتفاق على مغادرة عموري وشيريكوه، وخلا الجو لشاور.

 بعدها بثلاث سنوات إستنجد الخليقة الفاطمي العاضد بنور الدين لأن شاور "قد إستبد بالأمر، وظلم وسفك الدم"، ولم يكن نور الدين في حاجة لتحريض ضد الوزير الخائن، فأرسل حملته الثانية، وإستنجد شاور بعموري مقابل 400 ألف دينار.. إنتصر شيريكوه في عدة معارك حتى وصل الإسكندرية ففتح له أهلها الأبواب ودخلها بسلام .. بعد العديد من المعارك التي لا يفيدنا سردها أدرك شيريكوه أنه لن يحقق نصرا حاسما، فإنتهي الموقف كالمرة الأولى: يغادر الجيشان وتبقى مصر بيد شاور.

في العام التالي، 1168، زحف عموري بجيشة وإستولى على بلبيس بعد حصار طويل، وحاولت سفنه الدخول إلى النيل لكن الأهالي وضعوا العوائق في مجرى النهر .. لم يسع نور الدين إلا أن يرسل شيريكوه مرة أخرى، هذه المرة كانت مختلفة، إستقبل المصريون شيريكوه إستقبال البطل المنقذ، فأدرك عموري أنه لن يواجه عسكر الشام بمفردهم، فإنسحب، أما الخليفة فقد أراد أن يجعل شيريكوه واحدا من رجال دولته، فعينه وزيرا ولقبه بالمنصور .. حاول شاور إستدعاء الصليبيين، فإجتمع أعيان المصريين عند شيريكوه وقالوا:" شاور فساد البلاد والعباد، وقد كاتب الفرنج، وهو يكون سببا في هلاك الإسلام" وطالبوا بقتله فقتل.

مات شيريكوه بعد شهرين فعين الخليفة صلاح الدين مكانه، وبالطبع لم يسكت الصليبيون، فتحالف ملك بيت المقدس وإمبراطور القسطنطينية على غزو مصر من البر والبحر، لن نسترسل في حكاية المعارك التي إنتصر فيها الوزير الفاطمي صلاح الدين الأيوبي، ولن نفصل الكلام عن سياسته في كسب ثقة الشعب والعمل على تصفية مراكز القوى القديمة خاصة قوات السودان والأرمن التي حاولت الإتصال بالصليبيين، ولأنه سني شافعي فقد عمل على نشر مذهبه بتأسيس المدارس وإمدادها بالعلماء وتعيين قضاة شوافع محل القضاة الشيعة .. المهم أن صلاح الدين عمل سنوات أربع كوزير فاطمي، إلى أن نضجت الظروف لإلغاء الخلافة الشيعية، ولم يتطلب الأمر إلا أن يصعد عالم سني على المنبر يوم الجمعة ليرفع الدعاء للخليفة العباسي، فعادت مصر سنية، ولم ينتطح في ذلك عنزان.

متى إذن تعالت الطنطنة حول كفر الإثنا عشرية؟ .. فقط بعد أن إنتصرت الثورة الإسلامية في إيران ودعا الخوميني إلى تصدير الثورة إلى كل العالم الإسلامي .. لا أصدق أن هذا اللغط يحركه الخوف على عقائد العوام، بل يحركه الخوف على كراسي الحكام.

شارك المقال