هل أخطأ الإخوان بتشكيل حزب؟

منذ 6 سنة | 1116 مشاهدات

نشرت هذه المقالة في جريدة الشعب عام 2014، والرسالة التي أرد عليها كانت من الشيخ عبد الرحمن لطفي رحمه الله

تلقيتُ على هاتفي المحمول الرسالة التالية "من أكبر الأخطاء التي وقع فيها الإخوان أنهم شكلوا ما يسمى - حزب الحرية والعدالة- فسنوا بذلك سنة سيئة جعلت من كانوا ينكرون الأحزاب كمدعي السلفية يشكلون أحزابًا أخرى كثيرة كل حزب بما لديهم فرحون" .. ومرسلها أخ كريم قريب إلى قلبي، وأحسبه من المخلصين العاملين لله والوطن، ولا أزكي على الله أحدًا، كما أن لرأيه قيمة لدي الكثيرين وأنا منهم، الأمر الذي حفزني لشرح وجهة نظري وهي باختصار: لا أوافق على لوم الإخوان على تشكيل حزبهم السياسي، بل على العكس، أرى أنه كان عليهم أن يتركوا لأعضائهم حرية تشكيل أكثر من حزب، وتفصيل هذا الرأي ينطوي على فكرتين:
الأولى هي: لماذا علينا أن نقبل بتعدد الأحزاب الإسلامية؟
الثانية هي: لماذا كان على الإخوان بالذات أن يعبرون عن أنفسهم بأكثر من حزب سياسي واحد؟
أولا: تعدد الأحزاب السياسية الإسلامية:
الحزب السياسي الإسلامي ليست وظيفته الدعوة إلى الإسلام كعقيدة وكمنهج للحياة ، فوظيفته هي أن يستلهم من الإسلام حلولا عملية للمشاكل السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي تواجه الأمة في ظرفها الراهن ، ثم يدعو الناس إلى تبني هذه الحلول، وانتخاب مرشحيه ليمثلوهم في البرلمان؛ كي يمكنهم ترجمة هذه الحلول إلى قوانين تحكم عمل الجهاز التنفيذي، ثم تشكيل حكومة لوضع هذه الحلول موضع التنفيذ .
واستلهام هذه الحلول يقتضي أولا تشخيص المشاكل، أي فهم الواقع العملي وإمكانياته وتحدياته، ثم البحث في مصادر الإسلام عن حلول لها، أي فهم مقاصد الشريعة وأحكامها ..  وفي كلتا المهمتين قد يختلف المسلمون المخلصون، ولا تثريب عليهم في ذلك، فقد اختلف أئمة الشريعة في فهم مصادرها فتعددت مذاهبهم، ولا ملام عليهم ما داموا قد تسلحوا بأدوات الاجتهاد، وأخلصوا نيتهم واستفرغوا

وسعهم .. فإذا كان علماء الشريعة قد تعددت آراؤهم في الحلال والحرام فكيف لنا أن نتصور الا تتعدد رؤى السياسيين في تشخيص الواقع، وابتكار الحلول المناسبة له؟ (هذه الفكرة من فتوى لشيخنا الجليل يوسف القرضاوي حفظه الله).
بالطبع سنطالب كل الأحزاب الإسلامية بأن تتكاتف في المواقف المهمة، وفي مواجهة الخصوم السياسيين للمرجعية الإسلامية، ولكننا لن نستطيع إلغاء التمايز بينهم في تفاصيل البرامج الحزبية .. في تقديرهم للحلول العملية لمشاكل الحياة .. فهذا ضد طبيعة الفكر الإنساني.
ثانيا: حاجة الإخوان المسلمين لأكثر من حزب سياسي واحد:
    من دراسة أدبيات الإخوان المسلمين ومتابعة منهجهم في العمل والحركة يتضح أن الجماعة قد قامت واستمرت لتعمل على تحقيق هدفين، الأول هو ترسيخ قيمة المرجعية الإسلامية في المجتمع، وجدارتها بالحكم، وصلاحيتها لقيادة الأمة في نهضتها المعاصرة، والثاني هو تربية أعضائها على الالتزام بمنهج الإسلام في الفكر والحياة، وهما هدفان جليلان لا نشك في أن الإخوان قد أبلوا فيهما بلاءً حسنًا وحققوا نتائج رائعة، لكن طبيعة هذين الهدفين اقتضت من الجماعة الاكتفاء بالعموميات، والابتعاد عن التفاصيل التي تفرق ولا تجمع، وهذا مسلك رشيد يدعو للإعجاب بفهمهم لدورهم ولأساليب القيام به، لكنه في نفس الوقت يتطلب ترك مساحة للأعضاء؛ ليكون لكل منهم وجهة نظر في المعالجة التفصيلية لمجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع .. بل أنها سمحت بتعدد المذاهب الفقهية داخل الجماعة، ونجحت في جمع أعضائها على قلب رجل واحد رغم كل ذلك .. وهذا أمر يدعو للتقدير .
    لكن الحزب السياسي عليه أن يضع برنامجًا تفصيليًّا ومتكاملًا يلتزم به الجميع في كل القضايا، في التعليم، والصحة، والإسكان، والصناعة، والتجارة، والزراعة .. الخ، في حين أن تبني المرجعية الإسلامية مع الالتزام بقيم الإسلام وأخلاقه لا يؤدي بالضرورة إلى وحدة وجهات نظر الإخوان في هذه التفاصيل، وقد عرضنا في مقال سابق لاختلافنا مع برنامج حزب الحرية والعدالة في المجال الاقتصادي،

وقد دخلنا منذ البداية في مناقشات مع العديد من الإخوان الذين نحبهم ونقدرهم حول هذه القضية، ووافقنا بعضهم إلى ما ذهبنا إليه، غير أن التزامهم بالجماعة منعهم من إعلان اختلافهم مع برنامج حزبهم .. هذا في تقديري أمر مؤسف.
ماذا يفعل الأخ المسلم الملتزم بجماعته، والذي عاش في كنفها عقودًا طويلة شكلت وجدانه وأصبحت عضويته في الجماعة جزءًا من مكونات شخصيته، ماذا يفعل عندما لا يجد نفسه مقتنعًا ببعض اختياراتها التفصيلية في السياسة، والاجتماع والإسكان، والصحة، والتعليم، والصناعة .. إلخ، وهو ممنوع بحكم التزامه بالجماعة من الانضمام لحزب آخر ؟ .. هل يدافع عن برنامج هو غير مقتنع به؟ .. أم يمتنع عن العمل السياسي وجماعته قد ربته على ضرورة الإيجابية، والمشاركة في العمل العام؟ .. أم ينضم لحزب إسلامي آخر يحظى برنامجه باقتناع أكبر عنده فيكون نصيبه الفصل من الجماعة التي ينتمي إليها بكل وجدانه؟
.. كلها اختيارات صعبة، بينما هي في الواقع لا داعي لها .. فجوهر دعوة الإخوان المسلمين يمكنها أن تستوعب خيارات سياسية متعددة لا يعد أي منها خارجًا عن مبادئ الجماعة ومنهجها.
لكل ما سبق فإنني عندما أعلنت الجماعة اتجاهها لتشكيل حزب سياسي اتصلت بكل من أمكنني الاتصال به من الإخوان الذين تربطني بهم علاقات وثيقة، وقلت أنني أتحدث من موقف الحب والتقدير لدورهم ولقدراتهم، ومن موقف الحرص على مصالح الوطن وعلى قضية الإسلام، واقترحت عليهم أن تقتصرالجماعة على القيام بالمهمة التي تتقنها وتتفوق فيها، وهي الدعوة والتربية، ولتعلن الخطوط العريضة
للمرجعية الإسلامية التي ينبغي على الإخوان الالتزام بها في العمل السياسي ثم تترك لهم بعد ذلك حرية التفكير في البرامج الحزبية التي تحقق هذه المرجعية، فإذا جمعهم حزب واحد فبها ونعمت، وإذا تعددت أحزابهم فلا ضير في ذلك، فهم سيتعاونون ولا شك على تحقيق أهداف المرجعية الإسلامية مهما تعددت وسائلهم.
    لقد ناقشتُ معهم بعض التفاصيل التي أعلم أن الإخوان لا يتفقون فيها على حل واحد، وأضرب هنا بعض الأمثلة:
•    في الإسكان: منهم من يرى ألا تقوم الدولة ببناء وحدات سكنية، وعليها أن تكتفي فقط بتقديم الحوافز المناسبة؛ ليقوم السوق بتوفير وحدات لمحدودي الدخل، ومنهم من هو مقتنع بوجود شرائح لن يقدم لها السوق ما يناسبها، وعلى الدولة أن تقوم ببناء الوحدات المناسبة لهم بنفسها.
•    في الاقتصاد: منهم من ينظر إلى القطاع العام على أنه شر مستطير، ومنهم من اقتنع برأي الأستاذ عادل حسين - رحمه الله- في أن عبور فجوة التخلف يحتم على الدولة إنشاء بعض المشروعات الاستراتيجية المهمة للتنمية، والتي لن يغامر القطاع الخاص بإنشائها أبدًا.
•    في التعليم: بعضهم لا يرى ضيرًا من استمرار المدارس التي تعمل وفق النظام الأمريكي أو الإنجليزي أو الألماني .. إلخ، طالما تدرس مناهج في اللغة العربية والتاريخ المصري والتربية الوطنية، وبعضهم مقتنع بأن تدريس العلوم باللغة الأم هام لخلق الشخصية المصرية، وأن إلزام كل المدارس التي تقام على أرض مصر أن تعمل وفق مناهج وزارة التربية والتعليم هو أمر هام وضروري، وإذا كان بهذه
المناهج شيء من القصور فالأولى هو العمل على إصلاحها.
وقضايا أخرى عديدة تختلف أفكار مثقفي الإخوان وأهل الاختصاص الفني منهم بشأن أسلوب التعامل معها.
    بعض من حادثتهم من الإخوان – وهم الأقل عددًا – لم يعترض على كلامي،  والباقيين قالوا إن المهم الآن هو الوقوف خلف حزب الحرية والعدالة ودعمه حتى إذا استوى على سوقه فربما وقتها يمكن السماح لمن يشاء من الإخوان أن يكون حزبًا آخر .
   وواحد منهم نظر إليّ بريبة وقال: "هل هدفك هو أن يسمح الإخوان لمن يشاء منهم بالانضمام لحزب العمل؟" والواقع أن الفكرة لم تكن قد خطرت ببالي، لكني ساعتها أجبتُ بعد تفكير قليل أني أظن أنه لو أعلنَتْ جماعة الإخوان خطوطًا للمرجعية الإسلامية، وقالت إن كل من يقبل بها سيكون من ضمن الأحزاب التي يسمح للإخوان بالانضمام لها، فإنني أظن أن حزب العمل (اسم حزب الاستقلال

وقتها) سيدرس هذه الخطوط العريضة، والتي ستكون على الأرجح موافقة لما هو عليه بالفعل، وسيعلن ذلك دون تردد .. هل في هذه الحالة ستقبل الجماعة أن ينضم بعض أبنائها لحزب العمل؟
وأضيف الآن ما لم أفكر فيه وقتها: لو كان حزب الحرية والعدالة هو مجرد واحد من أحزاب عديدة تعبرعن منهج الإخوان وفكرهم ببرامج متعددة ومختلفة لأمكننا الآن أن ننسب كل خلافاتنا مع حكم الرئيس محمد مرسي إلى برنامجه وبرنامج حزبه دون أن يقتضي هذا منا أن نقول إننا مختلفون مع الإخوان، ولأمكننا الاستمرار في الدفاع بكل قوة عن الإخوان كجماعة دعوة إسلامية وتنظيم للتربية والتجميع، ولاقتصر نقدنا على برنامج حزب الحرية والعدالة .. هل في كل ما سبق ما يكفي كي يعيد الإخوان التفكير في موقفهم من أسلوب العمل السياسي؟

شارك المقال